ميشيل سوتارد
اقرأ الجزء السابق من هذا المقال بالضغط على هذا الرابط
البيداغوجية الأخلاقية
بهذا
يقودنا تفكيرنا من دون شعور منا إلى الأخلاق. ليس مستغربا أن جون كلود فوركين، وهو
يطرح مسألة النسبية الثقافية والمشكلة التعليمية، يطرح مسألة التربية الخلقية
بالمدرسة. الملخص الذي نشره حول هذا الموضوع سنة 1993 في العدد 102 من المجلة
الفرنسية للبيداغوجية لايزال، بالنسبة للحقبة التي يشير إليها، نموذجا
تحليليا، موثقا بشكل جيد، الذي يستعيد بدقة وبراعة مساهمات دوركهايم، وبياجيه،
وكوهلبيرغ، وأيضا مساهمات المفكرين البريطانيين والأمريكيين، حول مسألة التربية
الخلقية، التي لم يتوقف النقاش حولها إلى يومنا هذا.
لا
يتهرب زميلنا، على الرغم من كل هذه التحاليل، من وضع التساؤل الفلسفي الحاسم. فهو
يقول حين يكتب عن كوهلبورغ أنه «مثل بياجيه، يبدو وكأنه يستبعد فرضية السخرية،
فرضية اللاأخلاق الواضحة والمُتفهَّمة، فرضية الإرادة السيئة» وأنهما [كوهلبورغ
وبياجيه] كليهما لا يعتقدان فيما يسميه كانط «الشر المتجذر» (p. 89). زيادة على أن استيعابه الواسع للفلسفة الأنجلوساكسونية لم يحُل
دون تعميق البحث في ال«اختلاف في الطبيعة» -إلى درجة الحديث عن «قطيعة جذرية»- بين
المكون الفكري والمكون العملي: لينتهي إلى التساؤل «هل عليَّ بالفعل عمل ما يتوجب
فعله؟» (p. 94)، فيصبح بإمكانه القيام بالتمييز الدلالي الذي مكَّن كانط من أن
يكون مفكرَ الأخلاق: أي التمييز الذي يفرق بين مطلب sollen الالتزام
الأخلاقي و الواجب mûssen ذي العلاقة بالضرورة الفيزيائية. ويختتم فوركين
مقالته ب«التعبير عن القلق حيال إمكانية تأسيسٍ شاملٍ لأخلاقٍ وتربيةٍ أخلاقية على
أساس العقل». على العكس من ذلك، يتابع، إن «تجربة الفصل المحتمل بين الأخلاق
والذكاء العقلي تفرض نفسها علينا بشكل يومي». لذا «على الأقل تنفتح أمامنا الآن
إمكانية الاعتراف بوجود توتر لا يقاوم بين ال"أنظمة"» (p. 97).
اقرأ أيضا
ثمة
سؤال أستسمح إن تجرأت على طرحه على محرر المجلة الفرنسية للبيداغوجية: لماذا
لا يكون الفعل البيداغوجي كيفية لإمكانية تقليص الفجوة بين مستوى الوقائع، التي
يهتم بها كل من دوركهايم، وبياجيه وكوهلبورغ، ومستوى الحس الأخلاقي، الذي، بالتأكيد،
لا علاقة له بهذه المسارات المعرفية؟ من المفيد جدا معرفة المسارات السيكولوجية،
والنفسية الاجتماعية، والتحليل نفسية التي ينبني بمقتضاها الوعي الأخلاقي للطفل. إلا
أنه من الأهمية بمكان معرفة أن هذا الوعي لا يتأتى نتيجة نمو معرفي أو غيره، وأنه
يطفو في أي لحظة ومقاطعا كل المحددات، وأن الصياغات الأخلاقية، التي تمت دراستها
على النحو الأفضل، لن تحول أبدا دون قيام الفرد بالشر حين يقرره... البيداغوجية
الأخلاقية هي وحدها الكفيلة بتوجيه هذه الحركة المزدوجة.
لكن لا يمكن للبيداغوجية أن تقوم بذلك إلا بالـتفكير
في براديغيمها الخاص، متخذة بشكل متزامن مسافة تفكير من حركة الطبيعية
(محاولات ال«تربية الطبيعية» في الأخلاق قد اعتادت غيوم المتناقضات المتلبدة)، ومن
الحركة الاجتماعية (محاولات تقليص التربية الخلقية في تنشئة اجتماعية لم تعد واعدة
وذات مستقبل). فالمشروع البيداغوجي، وحتى يترسخ في الطبيعة الإنسانية ويستفيد من
التنمية الاجتماعية لهذه الطبيعة، يبقى مشروعا مبنيا على تناقض غير قابل للاختزال
بين الطبيعة والمجتمع في صلب الإنسان.
هذا يعني أن فكرة هذا البراديغم تدعو إلى مقاربة
فلسفية محددة، لا تسقط ضحية طبيعانية من خلال جميع صورها الرمزية، ولا ضحية نزعة
ما فوق طبيعية تسبح بنا في سماء من الأفكار تعلو على «وحل هذا العالم». فبإدارة
الظهر لجميع الأنطولوجيات، تكون الفلسفة، المدعوة من طرف البيداغوجية، تفكيرا في
أن يصير الإنسان حرا.
المصدر