أخر المقالات

"القصيدة": أو حين أُحدث امبارك حسني*




اقرأ عن الكاتب المغربي امبارك حسني

كاتب في باريس: سياحة مبدع


توضيح: كتبت القصة القصيرة "القصيدة" نهاية الثمانينات، ثم أعاد صاحبها النظر فيها وأطلق عليها اسم "أضغاث عاشق ورقي"، ونشرت ضمن المجموعة القصصية "حبر على الهامش" الصادرة في . هذه قراءة لما تركته بي من انطباعات آنذاك.

«القصيدة» رعب الكاتب. لما يتذكر، لما يدون ذكراه في «قصيدة»، يعيش حزن أيامه، ويرصد ما بقي في قلبه من آهات وعلامات الشوق الدامي. في «القصيدة» قصة الألم الخالق المبدع. و «القصيدة»، الإنتاج الضروري لعلاقة إنسانية. مرة أخرى يحتاج هذا الكلام إلى ما يبرره.

الفضاء العام فضاء حزين، وعاتم: المقهى-المعطف-المغارة-المدينة السوداء...هنا سيبدأ صراع أليم، عاش البطل أطواره غما وكمدا، وعرقا، لينتهي وسط بقعة دماء، ينام بعدُ نومته المستريحة. لكن هل ستكون هذه النهاية واقعية ومنطقية، مرة أخرى؟

الحقيقة ان «القصيدة»، عند قراءتها السريعة أو المتأنية، تطرح أمامنا أسئلة عديدة مترابطة فيما بينها، بشكل يؤدي إلى نتيجة واحدة: «القصيدة» لا تفعل سوى أنها تكمل القصة اللاحقة، والتي أؤولها أنا.

لما الهروب إلى اللغة؟ لِما نسبة الأحداث إلى ضمير الغائب، في حين نجد أن أسلوب المتكلم فيها قد يكون أفضل؟ ألا يتشابه بطل قصة «القصيدة» مع بطل القصة السابقة؟

من المعلوم أن اللغة، من حيث أهميتها، تعمل على تأكيد التواصل والتعبير عن أفكار الفرد. وفي مجال الحكي القصصي، كانت اللغة البسيطة، لغة أحسن ما أنتج من روايات ومن قصص قصيرة. لا أنكر أن النمط الجديد من الكتابة، على الأقل هذا الذي تطالعنا به الملاحق، هو في أغلبه مُنقب في مكوناته اللغوية. وكنتَ ترفض هذا التيار بدعوى أن المهم في القصة القصيرة هو وجود شيء نقوله، أي وجود حدث يقيم صلب موضوع فعلي، يتم التعبير عنه بأسلوب إبداعي داخل لغة بسيطة. 

في محاولتيك الأخيرتين، لا أنكر ما بهما من جمالية وحبكة، بل وصلا في هذا مستوى تجاوزت سابقتيهما. لكني أجد أن تكثيف اللغة والاستناد عليها بهذا الشكل، ليس بريئا أبدا. هذا ما سأحاول البرهنة عليه اعتمادا على النص الذي لدي.

يحير القارئ في موضوع القصة: هل هي فكرة؟ أم المرأة؟ إن اللغة وخيوط تطور القصة لا تترك لديك شك بأنها المرأة، لكن وقفات مركزية تبين أنها فكرة.

يدخل بنا الكاتب إلى فضاء مغلوق: المقهى، كي يضعنا أمام زبون لا يهمه سوى ذاته. فبذاته سكن الغليان وتأرجح. إنه ينتظر. فجأة يجد نفسه أمام التي ينتظر. تكتب ببن القهوة شيئا على ورق أبيض، ورق تطير به الريح ليضعه تحت أقدام الزبائن (هل هذا الجزء، الذي ينوب عن التي راحت، مدنس و، بالتالي، المرأة مدنسة). يدخل فضاءا مغلوقا أكثر: معطفه، ذاته، دواخله. «هي هنا. الصورة. تسكن ضلال القلب، في تلافيف الدماغ...وبدأ يرتعش».

ثم.. تسع ليال وهو يعيش بؤسه لغيابها «رحلة في أصقاع البياض القاتل حيث الأشياء الحدية الملامح سافرة كقواطع حادة». أنه يعيش السؤال المر، والانتظار الصعب، لأنه لم يستطع النسيان، ولأنه فقط «ودﱠ الاحتفاظ بشيء جميل في مخيلته يقيم عضد جسده». أفتح الآن قوسا: بأي شيء يحتفظ: ذكرى إنسانية فعالة أم ذكرى فكرة عقلية؟ يدخل البطل منزله مرة أخرى (ذاته مقر صراعاته الدفينة). الوقت ليلا. يصرخ. يخاطب ذاته. ينتظر. يواسيه جيرانه ويشمتون منه. لكنها تأتي هذه المرة، تأتي متعجرفة آمرة. «لا تتكلم، ليس لي إلا مهلة من الوقت قصيرة. ألم تقرأ القصاصة؟»  

عن أي قصاصة يتم الحديث هنا. أحداث القصة تحيلنا على ورقة المقهى، لكن الارتباط الفكري قد يحيل على رؤية القصة السابقة.

قد تتحدث عن حب أول، عن سبب دعوتها اليوم «رغم أن علينا أن...» وربما «أن نفترق»   

-----------------------------------------------         

·        امبارك حسني أديب مغربي، له عدة مجموعات قصصية، وآخر إنتاجاته ديوان شعري بالفرنسية تحت عنوان "يقظة الخطى  L'éveil des pas".


اقرأ عن الكاتب المغربي امبارك حسني

كاتب في باريس: سياحة مبدع


نورالدين البودلالي
بواسطة : نورالدين البودلالي
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-