E.P.
Question de Philo
N°35 –
Trimestriel - Septembre - Octobre - Novembre 2024
تعني التربية، من الناحية الاصطلاحية، «التوجيه خارج»،
أي التطوير والإنتاج. أما اليوم فهي تعني بشكل أكثر شيوعا التعليم وتنمية القدرات
الجسمية، والنفسية والفكرية، ووسائل ونتائج هذه النشاط التنموي. فالتعليم يعتبر
كعنصر مهم لتنمية الأفراد، من ثم تطوير الحق في التعليم. لكل بلد من بلدان العالم
نظامها التعليمي، مع دور يتحمله تقليديا أباء طفل (أو من يعوضهما) يتعلق بتقريب
ذاك الطفل إلى أعراف مرحلة البلوغ، وبتدخل متزايد في الغالب من الحكومات.
رأي الفلاسفة القدامى
حاول أفلاطون الربط بين تعالمين: تعاليم هراقليط وتعاليم
سقراط.
v
مبدأ هيراقليط
«كل شيء يتغير، ولا شيء يبقى».
يريد هيراقليط القول أن لا شيء يستمر دوما في الوجود، أن لا شيء في العالم يفلت من
الاندثار، أن السماء والأرض سيختفيان، وأن نشاط الطبيعة شبيه لفخار يمنع من الطين
وجوها سيعجنها بعد ذلك من جديد...
كان لهيراقليط تلميذان مشهوران. أما الأول فهو الشخصية
المركزية بين سوفسطائيين: بروتاغوراس. وفكرته الأساسية هي «الإنسان مقياس كل شيء».
ولا يقبل بيتاغوراس أي معرفة سوى المعرفة الحسية، أي التي تأتي عن طريق الحواس.
فالمعرفة هي الشعور. لكن إن كانت المعرفة تتم عن طريق الحس، فهذا يعني أن هناك من
المعرفة بقدر ما هناك من أحاسيس وأفراد. وبالتالي لا يمكن قبول سوى المعرفة
الفردية. وليس للمعرفة أية مصداقية كونية، ولا وجود لمعايير كونية تسمح بالقول إن
هذه صحيحة وهذه خاطئة. فبروتاغوراس، ككل السفسطائيين، يحتفي بعبادة الفرد، ونظريته
بذلك فردانية وذاتية ونسبية.
أما تلميذ هيراقليط الثاني فهو كراتيل. بالنسبة إليه لا
وجود لأية قاعدة للمعرفة. إنه بذلك متشكك ومحبط وحزين: لا وجود لمعرفة ممكنة. وإن
كانت هناك معرفة حقيقية، أي معرفة ثابتة، فلابد أن تحال على شيء يستمر وثابت. ولأن
لا شيء يدوم، وأن كل شيء يتحرك، فإن المعرفة غير ممكنة: إننا نحيا في عالم عبثي.
v
سقراط وشرط المعرفة
يزدري سقاط ويكره الحواس. تزعج الحواس المفكر والإنسان
العاقل وتدفعه إلى العاطفة والغضب واللذة الفورية. وعليه تجنبها قدر الإمكان: إنه
الشرط الأولي لكل معرفة ممكنة وللأخلاق الحقيقية. لكن هل هناك معرفة غير حسية،
معرفة لا تبدأ أولا بالحواس بل مباشرة بالعقل؟
أثار سقراط أيضا المسألة الرئيسية المتعلقة بأصل
المفهوم. وباختصار، إنه يكشف عن المعرفة المفاهيمية. تتوافق هذه المفاهيم مع موضوعات،
وهي غير قابلة للتغيير كالمفاهيم ذاتها. كما أن إدراكاتنا الخاصة تتوافق مع الموضوعات
خاصة، وبالتوافق مع مفاهيمنا الكونية، تتوافق مع موضوعات «كونية». هذه الموضوعات
العليا يسميها سقراط «الأفكار».
الأفكار عند أفلاطون ليست بشكل كلي تمثلات ذاتية وغامضة
عن شيء ما ولكنها الحقيقة العليا. ثمة إذن عالم آخر غير الذي نعرفه بالحواس، وهو
العالم المعقول، العالم الفوق حسي، وباختصار عالم الأفكار. هو في نفس الوقت عالم
متعدد وواحد. متعدد لأن الأفكار متميزة، كل منها هي ذاتها ومختلفة عن غيرها. وواحد
لأن هذا التعدد من الأفكار موحد بفكرة الأفكار، أي الفكرة التي يقترحها الجميع
لكنها لا تحتاج لأيّ افتراض: إنها فكرة غير مفهومية. أفلاطون يسميها الخير، وهو
يعرفه الجميع: إذ الخير هو الفكرة العليا والسائدة، وهي ينبوع كل الأفكار الأخرى.
وكما أن الشمس ينبوع النور المحسوس، فإن الخير ينبوع النور الفكري. إنه يعطينا في
نفس الآن النور والحياة. و«الخير هو غير المرئي الذي يهبنا الرؤية» كما يقول
سقراط.
v
مبدأ التربية وفقا لأفلاطون
بما أنه وضع كمبدأ للتربية الجيدة، كما قال أفلاطون، «إعطاء
الجسد والروح كل الجمال وكل الكمال الممكن لهما»، فلا يجب عليه انتظار أن يرى
الطفل النور ليؤثر فيه. سيكون الجنين حساسا بالفعل لبعض التأثيرات؛ يمكن أن تنطبع
في روحه وجسده أثار دائمة؛ لذلك ينبغي للنساء الحوامل ستشعرن بقلق على ما يحملنه؛
سيقمن بحصص مشي متكررة؛ سيتجنبن الوقوع في حالات فرح أو حزن مفرطة؛ سيسعين جاهدات
إلى الحفاظ على حالة من الاستكانة والوداعة. بحسب أفلاطون فإن درجة التربية
الأساسية، المشتركة بين جميع الأطفال، ذكورا وإناثا، يمكنه أن يتوزع إلى مرحلتين:
الأولى، من ثلاث إلى عشر سنوات، يخضع خلالها الطفل إلى نوع من التدريب الجسدي
والجمالي والأخلاقي دون تعلم ما نسميه اليوم بمبادئ المعرفة؛ والثانية من ثلاثة
عشر سنة إلى ستة عشر، التي تنضاف خلالها القراءة ومبادئ الحساب والهندسة والفلك
إلى ما أخذه من تمارين الفترة الأولى
ما تدين به التربية لروسو
سيضيف جان جاك روسو، فيما بعد، بعدا جديدا آخر للتأمل في
التربية. فحرصه على المساهمة بفعالية في تغيير مجتمع اعتبره فاسدا في أعرافه وقائم
على عدم المساواة، اقترح روسو من خلال كتابه إيميل أو عن التربية مشروعا
تربويا ثوريا في زمنه. كانت التربية تتبع أنظمة قديمة اعتبرها غير كافية لقيادة
الإنسان نحو التقدم والتحرر بواسطة فكر نقدي. الجديد الذي قدمه هذا الكتاب يتمثل
في وضع الطفل في قلب العملية التربوية وجعل الأم تسترجع مكانتها المركزية.
لتمكينه من التكوين دون إخضاعه لنظام صارم وإنما توجيهه
أكثر، يقترح روسو وضع مرب تحت تصرف الطفل. وقد ابتكر شخصية إيميل ليعرض نظرياته في
التربية. ولإبعاده عن تأثيرات العائلة والتقاليد الاجتماعية، وضع روسو طفله «النموذج»
في البادية. هذه الحيادية ترسم مسبقا روح ما سيشكل مثال المدرسة العلماني
والجمهوري الأعلى بفرنسا. فاقترح الفيلسوف عدة مراحل مماثلة لمختلف أعمار الطفل
التي تقوده إلى حالة الرشد. والتجربة والملاحظة هي أفضل من الكتب. وتم تعزيز بقوة
العمل اليدوي والأنشطة الجسمية وذلك لتنمية الرجل المثالي الذي يحلم به روسو.
الكتاب المستثنى هو روبنسون كروزو، رواية دانييل ديفو (1719). تشكل شخصية الرواية
نموذجا مثاليا لتكيف الإنسان مضغوط الطبيعة «المتوحشة» وتوفر لإيميل حلولا لتنمية
قدراته العقلية والجسمية. وما يزال مجموع المؤلَّف ومقترحاته لتربية مثالية مرجعا
لا غنى عنه لعدد كبير من البيداغوجيين.
المساهمة الكانطية
يتصور كانط الإنسان على أنه الكائن الوحيد المحتاج
للتربية. مما يمكن فهم مع كانط أنه بدون التربية لا يختلف الإنسان في شيء عن
الحيوان. وأنه بالمرور من طريق التربية يمكن للإنسان تحمل إنسانيته. وأنه «لا يمكن
للإنسان أن يصير إنسانا إلا بالتربية» كما يقول لنا. لذلك تحول التربية الإنسان
بجعله قادرا على التحقيق ذاته.
يرى لكانط أن الرعاية، والانضباط، ومجموع المعارف، وكل
المعرفة والإرث الثقافي الذي نتحصل عليه بفضل التربية التي يمكننا اكتسابها من
خلال التربية تساعدنا مجتمعة على جعلنا نمر من الحالة الخام والمتوحشة إلى حالة
أكثر رفعة وتحضرا، حتى لا نقول إلى إنسانية أكيدة. ذلك أن «من لم يكن مثقفًا يبقى
جاهلًا، ومن لم يتأدب فهو متوحش».
لكن كيف يحدث هذا الانتقال؟ كاتبنا يميز بين مرحلتين
رئيسيتين في التربية: التربية السلبية والتربية الإيجابية.
v
التربية السلبية
التربية السلبية التي تفهم أيضا على أنها تربية الجسم،
توافق هنا التربية الأولى ذلك أنه، وكما يقول: «بصفة عامة يمكننا ملاحظة أن
التربية الأولى عليها أن تكون سلبية فقط، أي ألا يضاف شيء للاحتياطات التي تتخذها
الطبيعة وأنه لا يجب فقط الإخلال بالطبيعة». تتجلى هذه التربية السلبية في الحرص
على العناية الأولية، أي على الصحة الجسمية، والتنمية اللائقة للقدرات الحركية
للطفل، والتأدب وإعطاء الطفل القواعد الأخلاقية. فكانط يعطي أهمية كبرى للانضباط
أكثر من الثقافة، ذلك أنه من السهل ترميم خطأ ثقافي إذا قورن بخطأ تأديبي الذي
يحتفظ به الإنسان من فترة التوحش. كما يجب التأكيد على أن التأدب الذي يخضع الطفل
لضرورات القوانين، تخنق أهواءه وميوله لكنها تقوده إلى حرية مسؤولة.
v
التربية الإيجابية
اللحظة الثانية من التربية هي ما يسميها بالتربية
الإيجابية والتي ليست سوى اللحظة الثقافية. تأخذ التربية الإيجابية إذن بعين
الاعتبار ذلك التوجيه الذي يماثل التربية الفكرية، والسلوك الذي يوافق التربية
الخلقية. وهي بذلك اللحظة التي تطابق التربية المدرسية التي من نتائجها التربية
الفكرية والتربية الخلقية. في هذا المستوى يبدأ الطفل بالتفكير وتحمل مسؤولية
حريته. بالفعل وضح لنا كانط ما يلي: «أن المرحلة الأولى لدى التلميذ هي التي عليه
أن يبدي فيها الخضوع والطاعة السلبية؛ والثانية هي التي نتركه، لكن بموجب قوانين،
يحاول التفكير وممارسة حريته. فالإكراه ميكانيكي في المرحلة الأولى؛ وأخلاقي في
الثانية». فالتربية الإيجابية تكشف عن القدرات التي يمتلكها الطفل: هي تربية على
الحرية والاستقلال الذاتي. وفي الأخير، يرى كانط أن التربية فن. بهذا المعنى يتم
التفكير والتخطيط للتربية، في الحاضر والمستقبل. إتقان هذا الفن يهدف إلى تتويج لعملية
طويلة تجد أسسها في التاريخ. إتقان فن التربية يعود إلى التجربة باعتبارها السبيل
الذي ينبغي تتبعه بيداغوجياً. وتتمثل التجربة هنا في استقاء الدروس من الأجيال
السالفة. لذا يؤكد كانط على أن «التربية هي فن، تطبيقها يجب أن يصقل على مدى أجيال
عديدة». لهذا يجب على كل جيل، مستنيرا بسابقه، أن يقدم مساهمته ليجعل من التربية
فنا يبتعد عن الأنظمة الميكانيكية ليصبح فنا عقلانيا، بل وأكثر من ذلك علما. خلاصة
القول، يمكننا فهم أن الهدف من التربية لدى كانط قيادة الإنسان نحو مرحلة الكمال
الذي ينظر إليه على أنه وجهة الطبيعة البشرية.
التربية بحسب آلان
يشدد آلان، بعد كانط وروسو، على ضرورة تربية كل إنسان
لجعله فردا حرا ومسؤولا عن نفسه وعن الآخرين.
انطلاقا من كتابه آراء حول التربية، نقف على
ثلاثة مبادئ رئيسية هي: مبدأ حرية الفكر، مبدأ تميُّز الفرد، مبدأ التعليم. وجدير
بالإشارة أن هذه المبادئ تهم فقط الجانب من التربية الموكولة للمؤسسة المدرسية.
خارج هذه المبادئ هناك مبدأ يشملها كلها، مبدأ الضرورة. يقول آلان: «الدرس الأكثر
أهمية إلى حد بعيد، يكمن في أن المرء لا يمكنه أن يخادع الضرورة. فالذي يفهم معنى
هذه الكلمات الصغيرة "لابد" يعرف بالفعل الكثير». هذه الضرورة هي أولا
وقبل كل شيء خارجية. إنها متعلقة بعالم الأشياء وعالم الإنسان. وإن كانت التربية
تعني التعرف على العالم، فهذا التعلم هو ضروري.
من المؤكد أن التربية هي أيضا بالنسبة لآلان تعلم
لممارسة الحرية، لكن لا توجد بين الحرية والضرورة علاقة اقصاء. لا توجد حرية لا
تأخذ بعين الاعتبار للضرورة الخارجية والتي لا تكون أولا، بحسب ما يُردّ إلى
سبينوزا، "ضرورة مفهومة". وانطلاقا من ضرورة العالم تتأتى ضرورة التربية
في حد ذاتها: ضرورة مهامه؛ ضرورة هيئاته: (العائلة، المدرسة، الحياة العملية)
ونظمه المتعاقبة؛ ضرورة الوسائل التي تنجِز بها كل هيأةٍ وظيفتها. من كل واحدة من
هذه القضايا الثلاث الأساسية لفلسفة التربية يتجلى مرة أخرى موضوع الضرورة.
فيما يتعلق بمسألة أهاف التربية، فآلان وريث العقلانية
الغربية، وخاصة كوندرسيه، الذي ذكر، في يومياته، أنه قرأه بعناية. يعرف ألان، بكل
تأكيد، أن التربية تؤدي وظائف اجتماعية، لها علاقة بضرورة إعادة إنتاج المجتمع.
هذا يعني بالضرورة أن عليه أن يبيح لكل واحد الاندماج مهنيا في المجتمع الذي يحيا
فيه.
آلان يعرف أيضا أن الفروق الاجتماعية في ظروف الحياة –وهو
لا يثق على الإطلاق في وجود مجتمع متكافئ حقا- تؤدي إلى وجود مؤسسة مدرسية غير
متكافئة بالضرورة في حالة إذا كرست نفسها فقط لإعادة الإنتاج الاجتماعي: «للتعليم
هدفُ استثناءِ بعض أفراد النخبة [...] لأنه صحيح أن لا وجود لمناصب كبيرة للجميع».
لذلك عندما يتأمل في غايات التربية، فهو يركز على مختلف تماما، ذاك المتعلق
بالحرية الفردية الذي، بغض النظر عن الوضعية الاجتماعية، فإن وظيفة التربية وعلى
الخصوص المدرسة تكمن في إتاحة الفرصة لكل واحد من تطوير ذاته.
وعليه فلا وجود لفلسفة تربوية لا تطرح وتحل على الأقل
ثلاثة مشكلات أساسية: من جهة مسألة الغاية التي يجب أن تستهدفها التربية؛ ومن جهة
ثانية طبيعة الذات التي يجب تربيتها، ومن أخيرا الوسائل التي بها يمكن تحقيق هذه
الغاية. موضوع واسع النطاق لم ينته الفلاسفة اليوم من استكشافه بعد...
«»