أخر المقالات

البيداغوجية وعلوم التربية: علاقة صعبة (الجزء 4)

 



جون هوساي

اضغط هنا لتدخل إلىالجزء الثالث من هذا المقال

ما السبب في عدم اختفاء البيداغوجية؟

لأن هناك بالفعل معارف بيداغوجية ولأن وضعيتها الابيستسمولوجية هي بالتحديد نوعية. تنشأ المعرفة البيداغوجية من خلال الربط المفصلي بين النظرية والتطبيق التربويين الذي يقوم به الفاعل نفسه إبان الممارسة التربوية. على هذا النحو نشأ التراث البيداغوجي على مر القرون، بجانب وفي ارتباط بالمعارف التربوية الفلسفية، والدينية ثم العلمية. البيداغوجية ليست عمياء، لكنها تصوغ في نفس الحركةِ الأفعالَ، والمفاهيمَ العلمية ذات المرجعية والقناعات. ليست طريقة سقراط التوليدية من نفس مرتبة الكتاب السابع من الجمهورية لأفلاطون. ورسائل ستانز لباستالوتزي (1799) ليس من نفس مرتبة إيميل، أو في التربية لروسو (1762). والمطبعة بالمدرسة لفريني (1927) ليس من نفس مرتبة اللغة والفكر عند الطفل لبياجيه (1923). ما هو المجلس؟ لأُوري (1979) ليس من مرتبة إعادة الإنتاج: عناصر لنظرية في النظام التعليمي لبورديوه وباسرون (1970). كلا النوعين من المعرفة محترمان، لكنهما غير متماثلين وليس لهما نفس الأصل ولا نفس الوظيفة. لهذا كان اختزال بعضها في بعض مستحيلا من الناحية الابيستسمولوجية، سواء بهذه الطريقة أو تلك.

إذا كانت البيداغوجية تمثل الترابط المتبادل والجدلي بين لنظرية والممارسة التربويين من طرف نفس الشخص، حول نفس الشخص، فالبيداغوجي هو أولا وقبل كل شيء ممارس ومنظر للفعل التربوي. البيداغوجي هو ذاك الذي يسعى إلى الجمع بين النظرية والتطبيق انطلاقا من فعله ذاته. من هذا الإنتاج النوعي للعلاقة بين النظرية والتطبيق في التربية تتأصّل، وتنشأ، وتبتكر وتتجدد البيداغوجية. فالبيداغوجي، بالتعريف، لا يمكنه أن يكون ممارس فقط ولا منظر فقط. هو بينهما، ذاك البين-اثنين. يجب على العلاقة أن تظل قائمة وغير قابلة للاختزال. ذلك أن الفجوة بين النظرية والتطبيق لا يمكن إلا أن تستمر. هذه الفجوة هي التي تمكِّن من الإنتاج البيداغوجي. وبالتالي فإن الممارس في حد ذاته ليس ببيداغوجي، إنه في غالب الأحيان مستخدمٌ أكثر أو أقل وعيا لعناصر واتساقات ونُظم بيداغوجية. والمنظر في التربية من حيث هو كذلك ليس بيداغوجيا، إذ أن التفكير في الفعل البيداغوجي أمر غير كاف. فالبيداغوجي الحق هو من يبرز «إضافة» خلال وبواسطة تفاعل النظرية والتطبيق التربويين. هذا مِرجل التصنيع البيداغوجي (Houssaye, 1996).

لنأخذ بعض الأمثلة من بين المؤلفين المشهورين. سيكون روسو أولهم. فعلى عكس ما يتم التأكيد عليه هنا وهناك، ليس روسو بالبيداغوجي: لم يكن أبدا ممارسا بشكل فعلي؛ ومن ثم لم تكن ممارسته سبب إنتاجه لنظريته. روسو منظر-فيلسوف في التربية. وهذا لا ينقِص، بأي شكل من الأشكال، من قيمة وجهة نظره، بل يحدد فقط نوعيتها. على العكس من ذلك يمكن اعتبار كل من بيستالوتزي (1799)، وفريني (1927)، وكوردزاك (1920)، فريري (1967)، أُوري (1979) وآخرين رجال بيداغوجيا. وهكذا يتم تأكيد المسار النوعي والتاريخي للبيداغوجية. لنكن واضحين: ما يجب أن يظل منتميا للبيداغوجية هو، بكل تأكيد، افتراض عملي، لكنه، في نفس الوقت، نظريةٌ عن الوضعية التربوية التي تحيل على هذه الممارسة، أي نظريةٌ عن الوضعية البيداغوجية.

اقرأ أيضا: البيداغوجيا ليست علما

لابد إذن من التأكيد على خصوصية المعرفة البيداغوجية. هناك بالفعل موقف فكري محدد في البيداغوجية (Meirieu, 1995). تجمع هذه بين التأمل الفلسفي (القناعات) والمعرفة الوضعية (المفاهيم) والمعرفة التجريبية (الأفعال). لكن البيداغوجية لا تختزل في هذه المعارف مجتمعة. إنها تمزج بينهم وفق اجرائها الخاص الذي سيتم اعتباره كطريقة في البحث. وعلوم التربية «مفيدة» و«ضرورية» في النهج البيداغوجي: إذ على هذا الأخير أن يأخذ بعين الاعتبار مقاربات فلسفة التربية (القناعات)، وكذلك المعارف العلمية الخاصة بالتربية (المفاهيم). ومع ذلك لا يمكن لا للأولى ولا للثانية أن تدعي قدرتها على تحديد الأنشطة البيداغوجية ولا تنظيمها. وعلى العكس، يمكن للبيداغوجية أن تصير «شيئا» قابلا للملاحظة وللبحث سواء للفلسفة ولعلوم التربية، لكن هذا الموضوع لا يمكن ينحلَّ في مقارباتهما. ما السبب في ذلك؟ لأن البيداغوجية ليست من منزلة العقل الخالص، بل إنها، وبكل بساطة، تدخل في مرتبة العقل العملي. السؤال حول البيداغوجية، يعني بحق طرحه على العقل العملي، عن بنيته، عن معناه وعن علاقاته بالعقل الخالص (وبالتالي بعلوم التربية). وبصفة عامة يرتبط العقل العملي بالفعل المقبول عقليا. لكن هل يمكن للفعل المعقول الإفلات من اللامعقولية دون أن يُختزل إلى ما هو تقني وعلمي؟ هل يمكن أن نجد، بين العقلاني واللاعقلاني، مجالا معقولا؟

بناء العقل العملي على نموذج العقل الخالص هو بمثابة افتراضٍ بإمكانية إنشاء علم خاص بال«ممارسة» (الممارسة باعتبارها فعلا يهدف إلى تغيير العالم) (Ricoeur, 1986). لا تقبل الممارسة الاختزال إلى «بُوِيسيس poiesis» (الإنتاج، التصنيع) شفاف وعلمي مؤسس، إنها تتعلق باستحالة التنبؤ والتعتيم. والبيداغوجية باعتبارها ممارسة تتطلب قدرا كبيرا من الوضوح والتفكير، ولا يمكن أن تدرك على أنها تطبيقا لمعرفة تم تكوينها سابقا وبشكل كامل (أو حتى معرفة كوِّنت بشكل كاف، كالديداكتيكا مثلا، والتي يكفي تكييفها مع ظروف الفعل). في التطبيق العملي، لا تكون النظرية شرطا مسبقا، بل تنبثق عن النشاط نفسه في جدلية تربط بين توضيح وتغيير الواقع.

هذا يعني أن التطبيق العملي يفلت كليا من كل معرفة من النوع العلمي. ذلك لأن التطبيق العملي يخلق الجديد، بينما العلم يهتم بما هو موجود مسبقا. ثم لأن، في الممارسة العملية، تتحقق الذات خلال الفعل، مما يعني تغير مستمر يلحق الذات والموضوع، في الوقت الذي يسعى فيه العلم، على العكس من ذلك، الحفاظ على مسافة بين الذات والموضوع. ولأن الممارسة التطبيقية، في الأخير، هي مسألة معنى، في حين أن العلم لا يهمه المعنى، إذهو يقوم بصياغته دون أن يعمل على تدقيقه. تحيل البيداغوجية أكثر على الخير Bien، أما علوم التربية فتحيل بالأساس على الحق  Vrai. وبالتالي، إن كان هناك عقل عملي يولّد النظريات، فمن الناحية الايبستيمولوجية لا وجود لعلم يخص العقل العملي (Castoriadis, 1975). من الناحية الأنطولوجية تدخل البيداغوجية ضمن الأمور الحادثة وتدخل من الناحية المعرفية فيما هو محتمل. وهي تشكل من حيث مبدأ الفعل المعقول الحصافة (cf. Aristote) وليس العلم. ويحقق الفعل المعقول تركيبة تجمع لحظات أربع: اللحظة النفسية للتفضيل المنطقي؛ اللحظة الجدلية للحجة ضد التجاوزات المتصارعة، التي تؤدي إلى اختيار الوسَطية الذهبية؛ اللحظة الأكسيولوجية للحكم الأخلاقي؛ اللحظة الجمالية للذوق الشخصي.

اقرأ أيضا: قراءة في عنوان كتاب  "الدرس الديني وعوائق بناء قيم التسامح"

من الضروري تمييز البيداغوجية، في جانبيها التطبيقي والنظري، سواء عن علم التربية أو عن علوم التربية، وهما المجالين اللذين يصفان تاريخ، أو بنية أو عمل الوقائع التربوية. كما يجب تمييزها عن البراعة الفنية والتجربة العملية للمربي. البيداغوجية هي نظرية لا تهدف إلى وصف الواقع كما هو بقدر ما تهدف إلى توضيحِ الفعل وبناءِ برامج العمل التي تشكل في نفس الوقت نظريات تخص الإنسان والمجتمع. إنها نظريةٌ وتطبيقٌ وظيفتها توجيه وتنظيم الممارسة. تشيّد البيداغوجية، باعتبارها فنا وعلما، ميدانا بينيا له وضعية خاصة، خاصا وأصيلا بالتأمل في التربية (Houssaye, Fabre, Soëtard, Hameline, 2002).

هذا ما يبرر وضعية التفكير النوعي للبيداغوجيين. أولئك لا يخطؤون في هذا الأمر: ما يقدمونه لنا هي بالفعل نظرية في التربية تم تصميمها كبلورة لممارستهم الخاصة. الحالة جد واضحة عند فرينيه، الذي لا يمكننا الفصل عنده بين التقنيات وفلسفة الإنسان العامة في العالم. هذا الأمر أثبته ديوي (2004)، الذي لم يوص بأي وصفة بيداغوجية، لكن تستند البيداغوجية عنده على فلسفة تجريبية تقوم على مبدأ الاستمرارية و منهجها ناتج عن مبدأ التجريب هذا. أما الحالة عند فرينيه (1967) فملهمة حقا، ذلك أنه هو الذي سعى إلى تعميق شروط إنشاء وحدةٍ جدلية  بين الفعل والفكر، النظرية والتطبيق، لدرجة أنه بالنسبة إليه لا يمكن أن تكون هناك ممارسة تطبيقية أصيلة خارج هذه الوحدة الديالكتيكية بين النظرية والتطبيق، كما لا يمكن أن يكون هناك سياق نظري حقيقي إلا في إطار وحدة جدلية مع السياق الواقعي.

اقرأ أيضا: التداوي بالفلسفة

*****

  لنؤكد من جديد: إن البيداغوجية وعلوم التربية وفلسفة التربية والديداكتيكا تنتج بالفعل معرفة «حقة»، ومرتبطة بالتربية. المشكل لا يكمن في هذا. المشكل يبدأ حين تريد هذه العلوم، في نفس الحركة، قول الحقيقة بشأن الفعل التربوي، أي تحويل الحقيقة عن الفعل إلى حقيقة الفعل. ويتضح المشكل أكثر حين تريد هذه التخصصات مجتمعة، عند القيام بذلك، إنكار خصوصية المعرفة البيداغوجية. إني متأسف السيد جون شاتو، لكن، وحتى نسد ثغرات «غير كفاية البيداغوجية»، لا يكمن الحل بالتأكيد في العودة إلى «علم نفسٍ كافِ» (كرمز لعلوم التربية). لننتبه جيدا: ليست المسألة فقط مسألة تاريخية أو ابيستيمولوجية، هي أيضا مسألة مؤسستية.

قد تكون المسألة المركزية تتمحور في التالي: تكوين المهنيين التربويين عموما والمدرسين خصوصا لا يأخذ بعين الاعتبار طبيعة البيداغوجية. يتميز الطابع الأولي للتكوين البيداغوجي بسمة أساسية: لا يمكن للمتعلمين المهنيين الثقة فيما نقول لهم  و الاستفادة مما نعرضه عليهم إلا إذا ما ارتبط مباشرة بما يفعلونه وكان جزءا منهم. وحده ما يقومون به من فعل هو الذي يمكن أن يزرع الثقة فيهم ويعطي لهم معنى. أليسوا هنا ليُطلب منهم القيام بالفعل وبالتالي ليكتسبوا هذه المعرفة المهاراتية المتأشكلة، لبلورة معرفتهم انطلاقا من معرفتهم المهاراتية. التكوين البيداغوجي الأساسي لا يمكنه بذلك أن يخالف طبيعة البيداغوجية، إن أردنا أن نعتبر أن هذه، على سبيل التذكير، هي الحضن المزدوج  للنظرية والتطبيق الذي يقوم به نفس الشخص، على نفس الشخص.

لا يمكن لمهني المستقبل أن ينشؤا مهارتهم إلا اعتمادا على فعلهم الخالص؛ على هذا الأساس فقط يمكن للمعرفة، باعتبارها هذه المرة بلورةً نظرية، أن تُبنى. ولا يمكن تجاوز هذه القاعدة، إلا إذا تبين أن التكوين لا يحقق النتائج المرجوة. يبحث مدرسو المستقبل عن «وصفات»، «إجراءات روتينية»، ووسائل بيداغوجية تمكنهم من التعرف على المهارات الأولية، على بعضٍ من المهارات الأولية. فالمُكوَّنون الشباب هم، كي يصبحوا حرفيين،  في حاجة إلى اكتساب ما يفتقدونه، أقصد «الخبرة»، باعتبارها المعرفة المكتسبة بالتجربة الشخصية التي يتم القيام بها تجاه المواضيع التربوية. خاصية التكوين البيداغوجي، أكان أساسيا أم مستمرا، أنه لا يكمن في التفكير فيما سيتم القيام به ولا فيما يجب علينا القيام به، وإنما بالأحرى التفكير فيما تم القيام به. على هذا الأساس قامت الحركات التربوية، تلك ذات العلاقة بجون بابتيست دو لاسال (1720) أو أوبرلان  (Chalmel, 1999) في السابق، أو بفرينيه (1927)، وأوري (1979) وآخرين اليوم. في البيداغوجية تكون للتجربة أوليةً بالنسبة للمبتدئ، بل خاصة بالنسبة للمبتدئ. كل ما يثير تجربةً لدى المتدرب المحترف سيكون قوة دافعة وأداة مفيدة، ونقصد من ذلك المهارة التي تشمل على الأقل ثلاثة عناصر يمكن اعتبارها عملية لتحقيق الاحترافية: أولا معرفة بالمهارة (في وضعية معينة، لتصور معين، التفكير بطريقة معينة يعطي النتيجة كذا)؛ ثانيا المعرفة حول المهارة: (قد تحدث التجربة في ظروف محددة وتتكرر في مناسبات أخرى)؛ ثالثا معرفة منبثقة من المهارة، معرفة قد تؤدي إلى نوع من التفكير وإلى تنظير يعمل على توضيح العلاقة بين النظرية والتطبيق في مجال البيداغوجية.

اقرأ أيضا: ترجمة النصوص الفلسفية

وهكذا يشكل التكوين البيداغوجي نموذجا تجريبيا للتكوين. لا يعطي هذا الأخير الأسبقية (بمعنى اللحظة الأولى للإجراء) للمعرفة على الواقع الواجب التعامل معه، وإنما إلى المواجهة مع هذا الواقع نفسه (Fabre, 1994). وعوض أن يتم إبعاد المكوِّن، سيكون عليه تحمل وظيفة مزدوجة: الحيلولة دون نسيان الواقع، إخفاؤه بما هو زائف (حتى العالِم منه)؛ جعل المكوَّن في اتصال مع الواقع، عوض أن يكون على اتصال بعالم التوقعات، أو التنبؤ أو الإسقاط. هذا يعني أننا، ونحن إزاء فعل التكوين نفسه، نكون أمام ثالوث حاضر بشكل مباشر: المكوِّن/المكوَّن/الواقع. هذا الأخير هو الذي يحدد حدود المشكلة، وليس المكوِّن. وبهذا يفترض التكوين البيداغوجي أن نبقى على مستوى العقل العملي. يعني هذا الإمساك بالحدين، الفكر والممارسة، لا اختزال أحدهما في الآخر. وعلى العكس من ذلك يعني هذا أن التكوين ليس في المقام الأول من مستوى العقل النظري، أي أنه لا يساند في المقام الأول المعارف التي بلورتها مختلف العلوم (بما فيها علوم التربية). فالعقل العملي يخص الفعل المعقول بشكل عام والتكوين بشكل خاص.

ويَظل السؤال الهائل قائما: هل من الممكن نقل المعرفة التجريبية، وهل بإمكانها أن تكون متبادلة؟ للتجربة، البيداغوجية وغيرها، وضعية غريبة: إنها في نفس الوقت أولية، ووسيلة وهدف التكوين. هذا ما يجعل التكوين البيداغوجي، أولا وقبل كل شيء، فعلاممارسا لا خطابا. التجربة هي، في نفس الوقت، تصادم على الدوام، وإلا فإنها ستعمل بطريقة مستقلة، غير ذات مرجعية. من هنا يأتي السؤال المركزي في التكوين: مع من يكون الحوار، مع من نبني؟ المكوَّن في البيداغوجية يحتاج لآخر له «مصداقية»، آخر يتيح له، في نفس الوقت، إمكانية الربط والفصل بين النظرية والتطبيق. الفرق، بالنسبة لهذه النقطة، جد دقيق بين التكوين الأولي والتكوين المستمر. أما بالنسبة للثانية، فالتطبيق موجود بالفعل ويمكن للنظرية كطرف ثالث (المكوِّن، المتخصص) أن تكون في بعض الأحيان مدمجة إن شكلت للمكوَّن مرجعا في خطواته البانية لمعارفه البيداغوجية الخاصة. أما بالنسبة للأولى، هنا أيضا، تكون التجربة في المقام الأول عند بناء كل معرفة بيداغوجية؛ لكن هذه المرة لا تكون حاضرة بشكل مسبق، حتى لو لم يكن هناك أمر يعمل بدونها. مما يدل أنه، في كل حالة، وعلى الخصوص عند التكوين الأولي، تكون التجربة هي الأولى.

بالطبع، إن التكوين هو مسألة مرتبطة بالمكوَّن، لكنها مرتبطة أيضا بالمكوِّن (Altet, 1994). باسم من نريد أن نكوِّن؟ باسم من يمكننا أن نكوِّن؟ ما الذي يجعل من المكوِّن مكوِّنا مؤهلا أو مستبعدا؟ بالنسبة للتكوين الأساسي الذي يجعل من المكوِّن مؤهلا هي تجربته، التي تحظى بال«مصداقية» من قبل المكوَّن، وقدرته على ال«مصاحبة الداعمة» (أي ما يفعله ولماذا يفعله). بالنسبة للتكوين المستمر، ما يجعل المكوِّن مؤهلا هي قدرته على المزج بين ما يقوله وبين تجربة المكوَّن. لذا فالمسألة لا تتعلق في أن يكون الواحد متخصصا في نظرية البعض (المنظرون) التي توجه نحو ممارسة الآخرين (الممارسين). وبالتالي لا يتعلق الأمر بتعويض علوم التربية بالبيداغوجية (Charlot, 1995). بل الأمر مرتبط بتمييز، واحترام وتدقيق العلاقات والإجراءات الواحدة عن الأخرى. هذا على الأقل حتى يتم تجنب العودة للمبدأ الذي وضعه دولينيي Deligny، البيداغوجي المتطرف، حين كان مسؤولا عن Graine de crapule (1945) والذي مفاده: لا يجب، على الخصوص، أن يُعهد بالتربية للمحترفين المكوَّنين لهذا الغرض!

 

المصدر

Jean Houssaye. Pédagogie et sciences de l’éducation : pas facile ! Les Sciences de l’éducation - Pour l’Ère nouvelle, vol. 52, no 2, 2019, pp. 11-27. ISSN 0755-9593. ISBN 978-2-918337-38-6.

المراجع

Altet M. La formation professionnelle des enseignants. Paris : PUF, 1994.

Bain A. La science de l’éducation. Paris : Alcan, 1894.

Bourdieu P. & passeron J.-C. La reproduction. Eléments d’une théorie du système d’enseignement.   Paris : Éditions de Minuit, 1970.

Castoriadis C. L’institution imaginaire de la société. Paris : Seuil, 1975.

Chalmel L. Le pasteur Oberlin. Paris : PUF, 1999.

Charlot B. Les sciences de l’éducation : un enjeu, un défi. Paris : ESF, 1995.

Château J. Pour une éducation scientifique. Revue française de pédagogie, 1967, n° 1, pp. 9-16.

Comenius. La grande didactique. Pari : Éditions Klincksieck, 1992 (1949).

Cousinet R. Une méthode de travail libre par groupes. Paris : Fabert, 2011 (1945).

De Corte E. et al. Les fondements de l’action didactique. Bruxelles : De Boeck Université, 1979.

Dehaene S. Apprendre ! Les talents du cerveau, le défi des machines. Paris : Odile Jacob, 2018.

Deligny F. Graine de crapule. Paris : Éditions du Scarabée, 1960 (1945).

Dewey J. L’école et l’enfant. Paris : Fabert, 2004 (1970).

Durkheim E. Nature et méthode de la pédagogie. In : Durkheim E. Éducation et sociologie. Paris : PUF, 1985.

Fabre M. Penser la formation. Paris : Fabert, 2018 (1994).

Freinet C. L’imprimerie à l’école. ICEM, 1927.

Freire P. L’éducation : pratique de la liberté. Paris : Éditions du Cerf, 1967.

Gauthier C. & Tardif M. (Dir.). La pédagogie. Théories et pratiques de l’Antiquité à nos jours. Montréal : Gaëtan Morin éditeur, 1996.

Hameline D. Courants et contre-courants dans la pédagogie contemporaine. Sion : ODIS. 1986.

Houssaye J. (Dir.). Quinze pédagogues. Paris : Fabert, 2013 (1996).

Houssaye J. « Révolution, professionnalisation et formation des maîtres ». Education et révolution. Colloque international francophone. Suisse : Yverdon-les-Bains, 2010.

Houssaye J. « Présentation ». Nouveaux pédagogues. Pédagogues de la modernité. Paris : Éditions Fabert, 2007.

Houssaye J. Spécificité et dénégation de la pédagogie. Revue française de pédagogie, 1997, n° 120, pp. 83-97.

Houssaye j., Fabre M., Soetard M. & Hameline D. Manifeste pour les pédagogues. Issy-les-Moulineaux : ESF, 2002.

Huberman M. La recherche sur la formation. Quelques hypothèses provocatrices. Recherche et formation, 1987, n° 1, pp. 11-25.

Korczak J. Comment aimer un enfant. Paris : Robert Laffont, 1978.

La salle J.-B. (de). Conduite des écoles chrétiennes. Cahiers Lasalliens, 1720.

Marrou H.-I. Histoire de l’éducation dans l’Antiquité. Paris : Le Seuil, 1996 (1948).

Meirieu P. La pédagogie entre le dire et le faire. Paris : ESF, 1995.

Oury F. & pochet C. Qui c’est l’Conseil ? Paris : Maspéro, 1979.

Pestalozzi J.-H. Lettre de Stans. Yverdon : Centre Pestalozzi, 1985 (1979).

Piaget J. Le langage et la pensée chez l’enfant. Neuchâtel : Delachaux et Niestlé, 1923.

Riche P. Les écoles et l’enseignement dans l’Occident chrétien. De la fin du ve siècle au milieu du xe siècle. Paris : Aubier Montaigne, 1979.

Ricoeur P. La raison pratique. In : Ricoeur P. Du texte à l’action. Essais d’herméneutique. II. Paris : Seuil, 1986.

Rousseau J.-J. Émile ou De l’Éducation. Paris : Bordas, 1962 (1762).

Texier R. « L’idée de perfectibilité en éducation au xviie siècle ». Éducation et pédagogie au siècle des Lumières. Angers : Presses de l’UCO, 1985.

                 

 

 

 

 

 

نورالدين البودلالي
بواسطة : نورالدين البودلالي
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-