ناشيد المكي |
هل يحق لي القيام بقراءة عنوان، أقول عنوان، كتاب صدر حديثا؟
في سبعينيات القرن العشرين كان مستخدم بدار
سينما "الشاوية" بمدينة الدارالبيضاء المغربية يحث الجمهور على دخولها
بقوله: الفيلم فيه 99 لكمة، وتكملة ال 100 على الملصق. العنوان يثير الفضول ويجذب
المتلهف إليه، لكنه قد يوحي أيضا بسيل من الأسئلة، محمسا على تقليب جوانب مفاتيحه.
هو الدافع لاستكشاف تفاصيل الكتاب، واختيار طرق قراءته. من هنا أعطي لنفسي حق
قراءة عنوان هذا المولود. لكن هل من الضروري أن تكون كل قراءة دوما دعائية؟
"الدرس الديني وعوائق بناء قيم التسامح" هو اسم مؤلف السيد المكي
ناشيد، استاذ مهتم ببعض قضايا التربية العامة. العنوان أوحى لي أن هناك علاقة
تجاذب وتنافر بين قطبيه: الدرس الديني وقيم التسامح. وبدءا يُطرح تساؤل: ما
المقصود بالدرس الديني؟ الأكيد أن المقصود بالدرس في هذا السياق الحصة التعليمية
التي يتكون بها وفيها التلميذ من جميع جوانبه النمائية، وليس المقصود به العبرة،
وذلك لأن هذه الأخيرة لا تشكل عائقا في بناءٍ ما بل حافزا للتقليد والتمثل. هو درس
تعليمي إذن يخص الجانب الروحي والوجداني: الدين. لكن الدين كامة مفردة في صيغة
جمع، يراد بها مجموعة من المعارف والممارسات التي تختلف من ديانة إلى أخرى: سماوية
أو غير سماوية.
هل كل الديانات تشكل عائقَ بناءٍ؟ بالرجوع إلى تدوينات فيسبوكية لصاحب الكتاب، هناك دين لا يشكل ذلك. يقول في تدوينة بعنوان: المنهاج التعليمي وعوائق بناء (ج 1) «لِتنامِ ما يعتبره رايتسنغر (البابا بنيدكتس 16) واحدا من بين التحديات الكبيرة التي تواجه الإنسانية راهنا، وهو خطر الإرهاب الذي يلاحق الإنسان يوميا، والذي يعتبره المرض الجديد للإنسانية». فالمسيحية، والتي يعتبر البابا كأعلى سلطة روحية فيها، تحارب الارهاب المجسد للاتسامح. بالمقابل، إنه في نفس التدوينة يسمي الديانة التي تشكل عائقا في إنماء الأجيال على قيم التسامح، أو حتى نكون إجرائيين أكثر، يسمي المادة الدراسية التي تشكل هذا العائق: التربية الاسلامية. وكما صمت صاحب التدوينة عن أنظمة دراسية لدول عديدة تعطي اهتماما للجانب الروحي، سنترك، بطبيعة الحال، جانبا التكلم عن المدارس اليهودية بالمغرب ،باعتبارها تدرس الديانة اليهودية بمؤسساتها، وذلك حتى لايتيه بنا المقال[1].
هل كل الديانات تشكل عائقَ بناءٍ؟ بالرجوع إلى تدوينات فيسبوكية لصاحب الكتاب، هناك دين لا يشكل ذلك. يقول في تدوينة بعنوان: المنهاج التعليمي وعوائق بناء (ج 1) «لِتنامِ ما يعتبره رايتسنغر (البابا بنيدكتس 16) واحدا من بين التحديات الكبيرة التي تواجه الإنسانية راهنا، وهو خطر الإرهاب الذي يلاحق الإنسان يوميا، والذي يعتبره المرض الجديد للإنسانية». فالمسيحية، والتي يعتبر البابا كأعلى سلطة روحية فيها، تحارب الارهاب المجسد للاتسامح. بالمقابل، إنه في نفس التدوينة يسمي الديانة التي تشكل عائقا في إنماء الأجيال على قيم التسامح، أو حتى نكون إجرائيين أكثر، يسمي المادة الدراسية التي تشكل هذا العائق: التربية الاسلامية. وكما صمت صاحب التدوينة عن أنظمة دراسية لدول عديدة تعطي اهتماما للجانب الروحي، سنترك، بطبيعة الحال، جانبا التكلم عن المدارس اليهودية بالمغرب ،باعتبارها تدرس الديانة اليهودية بمؤسساتها، وذلك حتى لايتيه بنا المقال[1].
وعليه، بالانتقال من
مفهوم الدين إلى المادة
الدراسية التربية الاسلامية، فإننا نكون قد
انتقلنا من التحديد العام المجرد، إلى التحديد الدقيق في البحث التربوي العلمي
المركز. الأول يفترض بعض التناول "الفلسفي" في منهجيته، والثاني يتطلب
الدقة العلمية وامتلاك أدوات منهجية
للقيام بالبحث التربوي. وعموما إننا إزاء مادة التربية الاسلامية كما تدرس
بالمدارس المغربية وتسهر عليها ممارسة وتنظيرا، بشكل إيجابي أو سلبي، الوزارة
المغربية المعنية: وزارة
التربية الوطنية وتكوين الأطر والبحث العلمي. لذا أعتقد أن الموضوع المدروس، كما
أوحى به العنوان المقروء في هذه الوقفة، كان يجب أن يتحدد في العلاقة بين تدريس مادة
التربية الإسلامية وإعاقة انبناء قيمة التسامح لدى المتمدرس، سيرا على ما تقوم به
الدراسات البيداغوجية والديداكتيكية الميدانية المستعملة لأدوات البحث
"الدقيقة" في علوم التربية.
لاتنسوا قراءة ترجمتنا : البيداغوجيا ليست علما
لاتنسوا قراءة ترجمتنا : البيداغوجيا ليست علما
القطب الثاني هو مفهوم
التسامح. إنه يُعرﱠف
بمرادفاته أو أضداده أو بملحقاته. الحديث عنه ليس
حديثا، وإنما طرح على المستوى الفكري ثم السياسي إبان الصراعات الدامية التي دارت
بين الكاثوليك والبروتستانت، والتي مزقت أوروبا وشردت أقواما من أبنائها داخل وخارج
حدودها. ثم أتت الثورة الفرنسية لتحسم في الأمر وتنهي التداخل بين الدولة والدين
لصالح الأولى، وترهن المجتمع بالتماسك فيما بينه على أساس التعايش السلمي والتداول
في الحكم. لكن هل يكتفي مفهوم التسامح بمعنى الحياد فقط؟ هناك من الطروحات ما
تجعله المدخل لكل السياسات الاستعمارية العسكرية والاقتصادية والثقافية التي عانت
منها دول ضعيفة ومتخلفة؛ سياسات لاتزال آثارها واضحة في تبعية المنتوج الفكري لعدد
من الدول المُستعمَرة، العربية واحدة منها!
ومن أهم المؤسسات البانية لقيم الإنسانية لدى الفرد نجد بدون منازع المدرسة.
ما إن يلجها التلميذ حتى ينخرط، من خلال علاقات تفاعلية مع فاعلين تربويين عديدين
ينشطون داخلها وخارجها (كالوزارة مثلا من خلال مذكراتها أو بعض الجمعيات البيئية)،
في أنشطة ودروس هدفها، من ضمن أهداف عديدة ومتنوعة، غرس القيم الإنسانية القديمة والحديثة
التي يزخر بها التراث الإنساني. ومن
البديهي أن تكرس المدرسة المغربية، لتبنيها عددا من المواثيق الدولية، لدى الناشئة
الانتماء إلى قيم الحداثة بكل تنوعها وغناها. وسيكون من المستغرب حقا أن تحث هذه
المؤسسة الملتحقين بها على اكتساب قيم اللاتسامح وحب العنف ونبذ الحوار وتبجيل
الذات، وإلا كانت موضوع صراع مع عدد من الدول والأنظمة السياسية الناصرة
للديموقراطية !
إذن، ما مدى الترابط
الموجود بين تدريس مادة التربية الإسلامية وإعاقة بناء قيمة التسامح لدى التلميذ
المغربي؟ العينة التي سنجتهد عليها هي الزمن المدرسي الذي يقضيه التلميذ بالمدرسة
الابتدائية، مستعينين بمعطيات موافقة لما تقرره وزارة التربية الوطنية المغربية،
وبالضبط من «حصص تدريس التعليم الابتدائي»[2].
ولا نقصد بالعينة تلك الفئة العددية المحددة بسن وجنس ومستوى معين والمأخوذة من
مدرسة أو مدارس محددة، وإنما تلك المفترض دخولها المدرسة الابتدائية وقضائها ست
سنوات دراسية كاملة دون تكرار ولا هدر مدرسي، والتي استفادت من الحصص الدراسية.
الأرقام التي سترد هي مجموع الساعات المخصصة لمادة التربية الاسلامية حسب المستوى خلال
الأسبوع، ثم خلال السنة، فخلال الست سنوات المفترض تحصيلها إبان الحياة الدراسية
بالابتدائي، منتهين بالحيز الزمني الذي تشغله هذه المادة بالنسبة إلى الحيز الزمني
لباقي الحصص الدراسية، معتبرين أن مقارنة هذه المادة بمادة واحدة أخرى،
كالاجتماعيات مثلا كما تمت الإشارة إليه في تدوينة الباحث، ليست منطقية وغير علمية،
على أساس ان قيمة معينة قد تلتئم كل المواد لغرسها في نفوس التلاميذ.
إن التلميذ المغربي يقضي بالمدرسة الابتدائية أربعا وثلاثين أسبوعا خلال السنة، يتكون فيها الأسبوع الواحد من ثلاثين
ساعة\حصة دراسية، وهي عبارة عن مواد تتنوع وتغتني حسب ترقيه المستويات الست. التربية
الإسلامية مادة تلازمه خلال أسلاكه الثلاث: ابتدائي واعدادي وثانوي، تماما كاللغة
العربية و، حاليا، اللغة الفرنسية والرياضيات وغيرها. التربية الاسلامية تشغل 3
ساعات في الأسبوع، أي ما حصيلته 102 ساعة خلال السنة، فيكون ناتج تحصيل التلميذ من
معارفها خلال سنواته الابتدائية 612 ساعة. وسواء أحصينا نسبتها خلال الأسبوع أو
خلال العام أو حتى طيلة الدراسة الابتدائية، فإننا سنجد نسبتها ثابتة في 10% من
مجموع ساعات الزمن المدرسي للتلميذ بالابتدائي.
هذا من الناحية الإحصائية، أما من حيث الأهداف والمرامي فإن المؤسسة
التعليمية المغربية لا يمكنها، باعتبارها تنتمي لدولة تربطها معاهدات أمنية مع دول
عديدة تحارب الإرهاب الذي يعتبر أعلى صورة للعنف المادي والمعنوي، أن تصدر عن
نازعين متناقضين: التسامح واللاتسامح، وإلا كانت النتيجة شخصية مغربية 90% منها
متسامحة و10% غير متسامحة. علاوة على ذلك إن قيمةً بعينها، من بين قيم أخرى مُستَهدفٌ
ترسيخها، ليست موضوع مادة دراسية دون أخرى، بل تتظافر كل المواد لتحقيقها لدى
الناشئة حتى وإن كان، كأقل إيمان، بحسن الاستماع إلى الآخر والرد عليه دون تجريح
وقبول الرأي المخالف... وهذه مسلكيات تمريرها وتقويمها بل وجعلها غذاء يوميا
للتلاميذ داخل الفضاء المدرسي من مهام الفاعلين التربويين والمادة المُدرسة. أما
بالنسبة لهذه الأخيرة فإن الممارس داخل القسم، منذ بدء تاريخ المدرسة الحديثة
بالمغرب، يعرف حق المعرفة كنه ما يدرس بها؛ وأما بالنسبة للممارسين التربويين فيجب
تقييم أدائهم بنسبة فعالية التكوين الأساسي الذي تلقوه بمدارس التكوين، والتكوين
المستمر الذي يتابعه المعني. وفي الحالتين لن تقل جودة الأداء عن أدنى مما هو
مطلوب، إلا في حالات فردية قليلة جدا ثمة طاقم مشرف يسهر على تصحيح مساره وأحيانا
التدخل الحاسم اتجاهه.
لا أحد ينكر أن المنظومة التربوية تعتريها نواقص تستلزم عدة اصلاحات، لكن
ليس "ثورات" لاعتبارات تاريخية وثقافية واجتماعية. هذه الإصلاحات قد
ننصح بها ذوي القرارات، على أن لا تعلو هذه النصائح على الواقع ولا ترفعه جملة
وتفصيلا، لأن هذا الواقع نفسه يشهد أن تلاميذ مدارس البعثات المغاربة بعضا منهم
يتابعون حصصا إضافية في تعلم آيات قرآنية ومعارف في العبادات. على أنني أعتقد أن
الإصلاحات ال"حقيقية" لن تكون إلا نتيجة دراسات علمية بيداغوجية
وديداكتيكية يقوم بها مالكو أدوات البحث العلمي ضمن مشروع متكامل له أسسه النظرية
والعملية والقابل للاختبار من جديد، لا النقل من دول غربية وتطبيقه في أرضية هي
براء منه.
نستخلص من كل ما سبق أن التربية الإسلامية كمادة دراسية لا أراها، تباعا
لهذه القراءة، قادرة على بناء شخصية مغربية عنيفة لا متسامحة، بالأحرى إرهابية،
وذلك لأن الحيز الزمني الذي تشغله بالنسبة للحيز الذي تشغله مجموع المواد المدرسة
لا يتجاوز 10% سواء في الأسبوع أو الشهر أو السنة، ثم إنها عمليا تشارك باقي تلك
المواد، وأخرى آتية في الأسلاك اللاحقة في السنوات القادمة، مهمة تمرير وتكريس
وترسيخ القيم الحداثية التي ورثتها وصقلتها الإنسانية عبر تطورها التاريخي.
*- نشر بجريدة الاتحاد
الاشتراكي يوم 14-05-2018، صفحة مواقف
أعيد نشرها بمدونة "كوة"