أخر المقالات

علم النفس المدرسي: رؤى متناقضة[الجزء الأول] (·)(1)

 



ميشل دوسيه

Michel DOUSSET

 

اقرأ أيضا: كانط: نقد، تربية، سياسة

 

ماذا يحدث لعلم النفس إذن حينما يجب عليه، من أجل ولوج الوسط المدرسي، حمل اسم علم النفس المدرسي ؟

لقد كان هنري فالون أول من فكر في الوضعية المؤسساتية لعلم النفس المدرسي غداة نهاية الحرب العالمية الثانية. فطموحا منه إلى ضمان النجاح المدرسي الضروري لتحديد المستقبل الاجتماعي الناجح لكل التلاميذ، أبدى ضمن وصيته، التي غلب عليها الطابع الإيديولوجي، رغبته في أن يضع في خدمة المدرسين، اعتمادا على علم النفس المدرسي، أداة جديدة ذات أسس موضوعية وعقلانية، تهدف إلى جعل كفاءتهم المهنية ذات فعالية أكثر. لهذا الغرض كلف روني زازو بوضع تصور يسمح بالاستعمال الملائم لمراجع علم النفس سعيا وراء إدماجها داخل الوسط المدرسي؛ إجراء يرمي إلى تأسيس ميتودولوجية وابتكار أدوات عينية قابلة للتطبيق من طرف مدرسين متخصصين في هذا المجال. وقد وضعت هذه المشاريع، البيداغوجية بطبيعتها أكثر منها سيكولوجية، في مركز الاهتمامات الأساسية للمؤسسات، ولتفادي كل قطيعة ممكنة تم التعبير عن الرغبة في أن يمثل علم النفس داخل الوسط المدرسي بـعلم نفس مدرسي. لقد كان من المفروض، أن تكون هذه المشاريع، كما فكر فيها، محط اتفاق وإجماع مؤسساتي. لكن، لاشيء من هذا حدث...

 

القانون...

إذا ما تتبعنا بتمعن تاريخ علم النفس المدرسي، المتميز بتواتر التحولات الإبيستسمولوجية والمنهجية، فسنضطر إلى التساؤل إن لم يُحدِث حلول علم النفس المدرسي، إلى حد ما، اضطرابا في التوازن الذاتي الذي حافظت عليه المدرسة، إلى درجة أنه أثار لدى المدرسين ردود أفعال مشتبه فيها و/أو دفاعية، إذ لم يسبق لهم أن جعلوه مطلبا أوليا ولا أساسيا. لهذا السبب لم يساهم المدرسون بتاتا في خلق ذلك الإجماع العام حوله، ولم يعترفوا أبدا بانتماء عالم النفس المدرسي إلى أسرتهم التعليمية، مع العلم أنه مدعو لأن يظل، على الرغم من تخصصه، مدرّسا. قد يكون أصدق وصف للواقع المتكرس لعلم النفس المدرسي ما تقدمه لنا العبارة الألمانية الشهيرة Das Unheimliche  التي جعلها سيجموند فرويد عنوانا لأحد نصوصه(2)، والتي تعني، لصعوبة ترجمتها : الغرابة المقلقة inquiétude étrangeté، أو الأمر الغريب على الرغم من كونه مألوفا.

 

مواضيع مفيدة:

كيف يمكن نقل القيم

موقعالتلميذ ضمن علوم التربية المعاصرة

 

غير أن واقعة حدثت كان بإمكانها أن تضع حدا نهائيا لهذه الوضعية الملتبسة. فقد أصدرت الحكومة الفرنسية يوم 25يوليوز 1985، بعد طول انتظار، قانونا يعترف ويحمي الممارسة المهنية لعالم النفس(3) على امتداد مجموع التراب الفرنسي . وتمشيا مع روح هذا القانون، سيكون أمام المؤسسة المدرسية الاختيار بين موقفين:

-         إما أن تمتثل لهذا القانون وتقبل بموجبه بضم علماء نفس ذوي تكوين وتخصص وواجبات مماثلة لما عند كل علماء النفس ، بحيث يعتبرون علماء نفس فعليون لا مدرسين متخصصين فقط. وهنا، ونتيجة لما سبق، يتم إقرار وظيفة عالم النفس كمهنة لا تقوم فقط على التميز عن الوظيفة التعليمية.

-         إما أن تقبل بحيثيات هذا القانون، على أن لا تدمج سوى علمائها السيكولوجيين، وأن تتخلى عن خدماتهم ، وتبحث عن سبل أخر، بعد معالجة حاجباتهم بدقة. لكن بقدر ما كان هذا الموقف يبدو أكثر احتمالا بقدر ما عجز علم النفس على تقديم الدلائل العينية على أهميته وحاجة المؤسسة الضرورية له.

لقد اختارت المؤسسة المدرسية مسلكا آخر (بعدما كان بإمكان هذا القانون أن يفرض عليها، بالضرورة، إعادة النظر في استثماراتها)، وهو ما يشكل مفارقة غريبة. إن المؤسسة المدرسية وكأنها أخذت تلقيحا يقوي لديها المناعة كلما كانت مضطرة للاستعانة بالوظيفة السيكولوجية، حيث نجحت0 في حماية مكتسباتها بالحصول على الحق في أن يكون علم النفس، التي تبدو أنها ستكون في حاجة مستمرة إليه، علم نفســها المدرسي هي، أي أن يظل علما نفسيا يتطابق و التصور الذي تصوغه عنه بميدانـها. وبما أنها تجيد طريقة إقحام وفرض قانونـها، الذي يبدو أنه أقوى من قانون الدولة الفرنسية ، فقد اشترطت على عالم النفس المدرسي أن يكون تابعا لها بحكم تاريخه ( إذ عليه،بالضرورة، أن يكون ممارسا لمهنة التدريس بشكل مداوم) وبحكم تكوينه(فدبلوم الدولة لعلم النفس المدرسي دبلوم استثنائي لا قيمة له إلا بالنسبة لها وحدها).

إن هذه الواقعة التي تحمل دلالة خاصة مثقلة بمعنى خفي، تجسد بشكل مشهود الحصانة والنفوذ اللذين تتمتع بهما المؤسسة المدرسية القادرة على إعطاء الشرعية لرغبتها في خرق القانون، واحتمال تحويل علمائها النفسانيين المشتغلين بالمدرسة إلى أناس خارقين للقانون. إنها في نهاية الأمر، ليست سوى حلقة ضمن  سلسلة طويلة من الوقائع، التي وإن لم تكن مذهلة بالشكل الكافي إلا أنها كانت جد موحية، بحيث أن ظهورها يتكرر بشكل متجدد، لا يدع مجالا للتكذيب، وذلك كلما دعت الضرورة إلى تحديد المكانة والوضعية القانونية لهذا العلم السيكولوجي الذي يراد منه أن يكون مدرسيا، وكلما تعلق الأمر كذلك بالاعتراف والإقرار بالطابع المؤسساتي لواقعه وخصوصيته.

إذن، ما الذي يحدث حين يلج علم النفس المجال المدرسي؟ وماذا يمثل هذا العلم بالنسبة للمدرسين، خصوصا إذا علمنا أنهم لا يطالبون به لكنهم لا يفعلون شيئا للتخلص منه؟

اقرأ الجزء الثاني عبر الرابط: علم النفس المدرسي: رؤى متناقضة(الجزء 2)



 



الهوامش

·-- نشر في "مجلة علوم التربية"، المجلد الثاني، العدد الحادي عشر، السنة السادسة، أكتوبر1996.ص: 74-80.

وهو مقال مترجم من Psychologie et éducation, N°23, décembre 1995,AFPS, ed:la  pensée sauvage pp: 81-87

ميشل دوسيه دكتور في العلوم الإنسانية. حاصل على دبلوم جامعي لدراسة التطبيقات الاجتماعية، وعالم نفساني مدرسي.

1 -- أطروحة الدكتوراة في موضوع: "La psychologie scolaire: un miroir paradoxal . حقيقة التمثلات الخاصة بمكانة الوضعية التي يمنحها المعلمون لعلم ولعلماء النفس بالمدارس الابتدائية ". وقد حضرت تحت إشراف السيدة Anne JURNAVILLE ونوقشت بمدينة تور (بجامعة فرانسوا –رابليه)في شهر دجنبر 1992.

2 -Freud ,1919, "L'inquiétante étrangeté ".L'inquiétante étrangeté Et autres essais,                                                                       Paris, édition Gallimard, 1985 (PP 209-263)

3 - القانون رقم 58-772 الصادر في 25 يوليوز 1985 المتعلق ب" مختلف التدابير ذات الطبيعة الاجتماعية" . (الجريدة الرسمية للجمهورية الفرنسية، 26 يوليوز 1985). خاصة المادة I (التدابير المتعلقة بالحماية الاجتماعية)، البند 44 من الفصل الخامس المتعلق ب"التدابير المتعلقة بوظيفة عالم النفس"

نورالدين البودلالي
بواسطة : نورالدين البودلالي
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-