أخر المقالات

موقع التلميذ ضمن علوم التربية المعاصرة

                                                                               مارتين فورنييه

إقرأ أيضا: المؤسسة المدرسية كفضاء مشترك 

يقضي كل شاب، اليوم، عشرين سنة في المدرسة. هذا "التكثيف" الذي يجسد إرادة سياسية تروم تمديد سنوات التكوين الأساسي وإتاحة الفرصة أمام الجميع لبلوغ مرحلة الدراسات العليا، غير من بعض معطيات التمدرس: كيف يمكن التكيف مع جماهير غير متجانسة؟ ما السبيل الأنجع لمساعدة هؤلاء التلاميذ على التفوق بعدما كانوا، في السابق، يغادرون النظام الدراسي في وقت مبكر جدا؟ هذه الأسئلة وغيرها ميزت سير البحوث، سواء تعلقت بعلم الاجتماع التربوي، بمناهج التعلم أم بالبيداغوجية وأنواع الديداكتيك. وهكذا اغتنت الدراسات السوسيولوجية الكمية، التي أجريت على عينات كبيرة من التلاميذ، بما عرفته الدراسات الميدانية، اليوم، من تقدم في مجال الميكروسيكولوجيا، الموجهة نحو استراتيجيات الفاعلين التربويين. أما فيما يتعلق بالمجال البيداغوجي فقد شهدت مفاهيم التعلم، على الخصوص، تعديلا ملموسا كان السبب فيه دخول علم النفس المعرفي.

 

من "الوراثة "إلى الفاعلين:

إلى حدود سنوات الثمانينات، دأبت السوسيولوجيا على اعتبار عدم التكافؤ المدرسي يعود بالأساس إلى المحددات السوسيوثقافية: اللغة المتداولة في الوسط العائلي، مستوى تمدرس الآباء، الممارسات التربوية والثقافية: وهكذا، وبتأثير من بيير بورديوه وكلود باسرون ونظريتهما في إعادة الإنتاج، عمل تيار بأكمله على إبراز كيفية إعادة إنتاج وشرعنة أشكال عدم التكافؤ الاجتماعي.

إلا أنه وإن استمرت إشكالية عدم التكافؤ صالحة اليوم، فإن علماء الاجتماع أوضحوا أنها ليست قدرا. فركزوا اهتمامهم على استراتيجيات الفاعلين (تلاميذ، عائلات) من خلال ما ينتقونه من توجهات، واختيارات ومؤسسات. وقد قاموا بدراسة العوامل التي تساعد بعض أطفال الأوساط المحرومة بالمدرسة على التفوق؛ ولمَ يحصل أطفال المهاجرين، المنحدرين من أسر ومجتمعات متساوية، على نتائج أفضل بكثير من نتائج تلاميذ الكوليج الفرنسيين؛ ولمَ تستمر الفتيات في التفوق على الفتيان في تحصيل الدراسي...

 

معنى التجربة المدرسية:

يرى فرنسوا دوبيه François DUBET أن كل فرد يعمل على تشييد تجربته انطلاقا من القيم، ومن الأدوار الأسرية، ومن الاهتمامات الشخصية. وقد اتضح أن المعنى الذي يقدمه التلاميذ عن "تجربت[هم] المدرسية" محدد أساسي في النجاح. بينما يرى البعض الآخر أن هذه التجربة تقتصر على استراتيجيات التجنب والتنديد التي تزيد قوتها أو تقل بدرجات متفاوتة.

وقد قام كل من برنار شارلو Bernard CHARLOT، وجون-إيف روشيكس Jean-Yves ROCHEX و إيليزابيث بوتييه Elisabeth BAUTIER بتحليل العلاقة بالمعرفة، من حيث أنها مكون من مكونات المعنى الذي يتخذه التلاميذ إزاء دراستهم. فالتلاميذ المتفوقون هم الذين يجعلون من المعارف عاملا مؤسسا لعلاقتهم بالعالم، ولمشروع حياتهم...أما التلاميذ الفاشلون فهم الذين اكتفوا، على العكس من ذلك، بمنطق الامتثال إلى تنفيذ المهام المدرسية دون تكوين أي معنى عنها. إلى ذلك أبرز عدد من الباحثين أهمية عامل الرغبة- الرغبة في التعلم، وفي النمو، والاستقلال الذاتي.

 

أثر-المعلم، أثر –القسم، أثر –المؤسسة:

لقد تمت البرهنة حاليا على أن تفوق بعض التلاميذ لا يكون بشكل أفضل مع مدرسين بعينهم. "أثر –المدرس" هذا، الذي كشف عنه كل من آلان مينكا Alain MINGUAT ومارو دوري-بيلا Marie DURU-BELLAT ، يتلازم أيضا مع "أثر-القسم" و"أثر- المؤسسة": لذا تعمل بعض الاعداديات، على خلاف أخريات، على جعل تلامذتها يكررون، حتى وإن تساوت مستوياتهم.

إن التحليلات الميكروسوسيولوجية تبرز العمل اليومي للمؤسسات، وعلاقات المعلم بالتلميذ أو العلاقات بين الأقران، ونتائج التقييم، وكذا مضامين التكوين. إنها في أحايين كثيرة تظهر، علاوة على ذلك، أن التفاوت الاجتماعي يؤثر باستمرار على مجريات الأحداث المدرسية. فأطفال الأوساط الشعبية لا يقيمون نفس العلاقة مع المعرفة التي يكونها أبناء الطبقة المتوسطة معها. آباء الطبقات الميسورة يحصلون على المعلومات الكافية التي تمكنهم من انتقاء الخيارات الأنسب التي تسهل على أبنائهم ولوج أسلاك التعليم العالي الأفضل. لذلك تحدثت ماري دورو-بيلا عن"دمغرفة demographisation " النظام، عوض القيام بدمقرطة حقيقية له.

ثم إن جعل الطفل في مركز النظام التربوي دفع قانون التوجيه لسنة1989 إلى إعطاء الشرعية المؤسساتية لتوجهات شكلت مع المدرسة الجديدة موضوع بحوث ومنشورات عديدة منذ أزيد من قرن. فمركزية المتعلم هذه، تساعد بشكل أفضل على الأخذ بعين الاعتبار التمايز بين التلاميذ، ونظامهم الإدراكي وتمثلاتهم الخاصة. بذلك أصبح من اللازم أن تكون البيداغوجيا فارقية: أي ضرورة أن تحترم أكثر إيقاع كل واحد على حدة، وأن تناوب المناهج: العمل الانفرادي، أو في مجموعات أو درس إلقائي؛ ضرورة تنويع الوسائل: بحوث عبر وثائق، القيام بتجارب...تواكب هذه البيداغوجيا أشكالٌ مستحدثة من التقييم: كالتقييم التكويني الذي يساعد كل تلميذ على حدة معاينة الصعوبة المعيقة والوقوف عند المنجزات المتحققة.

أما فيليب ميريوه Philippe MEIRIEU فإنه دافع، من جهته، على ما يسميه ب مسلمة القابلية للتربية: إذ أن دور المدرسة هو تمكين كل فرد على حدة على بناء استقلاله. فيصير المدرس بذلك وسيطا ييسر للطفل اكتساب معارف تمكنه من التطور والنمو.

 

الخليط الديداكتيكي:

إذا كانت الشراهة إلى بيداغوجيا الأهداف قد أصبحت واقعا، فلأن لهذه الطريقة، الآتية من أمريكا خلال الثمانينات، الفضل في الكشف عن أهمية تحديد الأهداف المتوخاة منذ البدء، خلال مقطع تعليمي معين. لقد أصبح على كل متخرج من مراكز التكوين التساؤل:" ما الذي أريد تمريره؟ وماذا يجب أن يعرفه تلامذتي من هذا الدرس؟ وكيف يمكن تقييمه؟".

وفي نفس الاتجاه أظهر التطور الذي عرفته الديداكتيكا حاجة المكون إلى التساؤل حول المعارف التي يدرسّها والصعوبات التي يواجهها التلاميذ خلال اكتسابها.

فالديداكتيكا، حسب جيرار فيرنو Gérard VERNAUD  "تنفض الغبار "عن المناهج الدراسية التقليدية. لذا تضاعفت البحوث في هذا المجال في غضون العشر سنين الأخيرة، سواء بالنسبة للرياضيات أو التربية البدنية، الفرنسية أو الفنون التشكيلية...

إقرأ أيضا: المؤسسة المدرسية كفضاء مشترك


نورالدين البودلالي
بواسطة : نورالدين البودلالي
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-