Philippe MEIRIEU
رابط الجزء الأول من هذا المقال
ال«حق في الطفولة» وال«حق في المدرسة»
بداية، يلزمنا التأكد من أن أطفالنا لن يتعرضوا، خلال نموهم، لصدمات عنيفة،
هدامة، قد تهدد سلامتهم الجسدية والنفسية. عدم القيام بذلك سيؤدي إلى إمكانية حدوث
تطورات بعدية، وقد عرفنا وفي هذا الإطار تجارب لن نتعافى منها. لهذا، وإضافة إلى
«حقوق الطفل»، علينا كراشدين ضمان «الحق في الطفولة». إنه الحق في عدم التعرض
لوضعيات مشينة، وعدم العيش قبل الأوان في المخاوف المعقدة لكبار السن، وعدم الاحتكاك
بالبذاءة بشكل مستمر، هذا الاختزال الذي لا يطاق لجسم الإنسان في اللحم الذي يلغي الذات
في الكائن الانساني. إن مسؤوليتنا هنا هي، بالدرجة أولى، قانونية وتتعلق أيضا
بالاعتداءات الجنسية، وسوء المعاملة، ونشر الصور أو النصوص الإباحية بين القاصرين التي
تشوش عليهم وتزعجهم: أي كل الجرائم التي يجب أن يعاقب عليها القانون.
من نفس المنظور وبغض النظر
عن الحقوق التي تنبثق عن مسؤولية المواطنين والمُشرﱢع الذي يتصرف بالنيابة عنهم، فإن
مسؤوليتنا ترتبط أيضا ب«الفضاء الآمن» الضروري للتعلم والنمو. فالتعلم يفرض على
النامي محاولة القيام بشيء هو لا يعرف القيام به، لكي يتعرف ،بوجه التحديد، على كيفية
القيام به: المشي حين لان يعرف المشي ليتعلم كيف يمشي، والتكلم حين لايزال يغمغم ليقدر
على التواصل، والقراءة رغم أن النص يخيف، والحساب وإن لم يكن يفهم شيئا في عالم
الأرقام، وغيره. إذن ما هو المطلوب من الطفل ليلقي بنفسه وسط المعمعة ويحاول فعل
ما يبدو له مستحيلا قبل أن يستوعب ذلك؟ علينا أن نضمن له أحقيته في التجريب، وأحقيته
في الخطأ، وأنه، إضافة لذلك، لن يتعرض للسخرية ولا للعقوبة التي قد تثبطه، بل موسوما
إلى الأبد. لهذا السبب يتوجب على «المدرسة» أن تلعب دورا أساسيا، فيما يتعلق
بالتعلم، شرط أن تعود به إلى معناه الأول الذي كان يعني، في اللغة اليونانية، «ترفيه
loisir»: أي ضمان
وقت وفضاء لا يضطر فيه الواحد للنجاح فورا، والذي يمكن له فيه استكشاف طرق جديدة،
والمخاطرة بفعل أشياء تثير، مع ذلك، المخاوف أو تبدو صعبة التحقق. وقت وفضاء نكون
معهما متيقنين من عدم تلقي عقاب سريع عند الفشل، وحيث يمكن تلقِّي نظرة عطوفة حين
نتردد في اتخاذ الخطوة الضرورية وإيجاد الموارد اللازمة
اقرأ لنفس
الباحث
علوم التربية والبيداغوجيا
المدرسة، فسحة للتفكير
لتحسين الأداء، ولاكتساب
الثقة في النفس ويصبح الطفل بشكل تدريجي قادرا على مواجهة وضعيات العالم الخارجي
لوحده. بهذا المعنى تصبح المدرسة -بما فيها الأشكال الغير النظامية (ثمة حالات «مدرسية»
داخل الأسرة، وفي التنظيمات الجمعوية، وفي بعض التجمعات الشبابية العفوية)- هي بالفعل
فضاء ًمهمته، إن لم تكن القضاء تماما على الصدمات النفسية، فجعل الحتميةَ منها لكل تعلم، على الأقل، متحملة:
لا يمكن أبدا لأية بيئة، كيفما كانت ملائمة، ولا لأي مربي، كيفما كان متنبها، أن
يعوضا بشكل مناسب، في الواقع، القرار الفردي المتخذ للتعلم و ل«شجاعة البداية»،
على حد تعبير فلاديمير يانكيليفيتش؛ في هذه الصدد ستكون هناك دوما مخاطرة لا يجب
الاستهانة بها يمكن أن يقال عنها أنها متضمِّنة لبُعد صادم: كترك المعلوم وإقناعاته
المريحة لمواجهة المجهول وما يخلقه من حالات عدم الاستقرار، أو التخلي عن صورةٍ للذات
لإبراز صورة مختلفة عنها، ونبذ مخيال أولئك الذين عرفوك طفلا ولايزالون يرونك
كذلك، لتجعلهم يرون شخصية جديدة تقلقهم، لا يستطيعون الامساك بها والتي، أحيانا،
لن يعودوا يفهمونها. إن مهمة المربي الممارس هنا هي السماح بالمرور إلى الفعل في
إطارٍ يخلق له فرص التحقق، وفي نفس الوقت استقبال هذا الفعل في أفضل الظروف
الممكنة حتى لا يتم تثبيط الفعل القادم: فمن ناحية، توفير الفرص، وال«مواقف
المتخذة» بشكل إرادي، من خلال الدعامات والمحفزات، عبر الوضعيات-المشكلات المتعددة،
والتي من الممكن الوصول إليها إبان تمثلِ تقدمٍ ملحوظ عند تجاوزها باقتراح مواضيع
قادرة على تعبئة الرغبة وتعبئة المؤسسات التي تسمح لها بالتعبير عن نفسها. ومن
ناحية أخرى، الترحيب بتدخلات كل واحد، دون إفراغ أو التظاهر بنسيان الطابع الصادمي
الذي لا يمكن تجنبه والذي هو متضمن فيها، ولكن بالثناء عليها بطريقة ما ببادرة
ترحيبية: إن إصابة الذي قرّر النمو بصدمةٍ ليست في الحقيقة بنّاءة لما هو إنساني
إلا في حالة ما إذا كانت مصحوبة بموقف ينم على تعجب متواضع من قبل الراشد الذي
يكتشف أن علامة إنسانية قد طفت لتوها، وذلك، في نفس الوقت وبنفس الطريقة الجذرية،
بفضله وبدونه.
رابط الجزء الثالث من هذا المقال من هنا