أخر المقالات

المدرسة بين علم الاجتماع، والثقافة والفلسفة: حظ البيداغوجية (ج 1)

 

ميشيل سوتارد

 

اقرأ أيضا: التربية والثقافة أو مسألة المعنى في عالم إستشكالي

 

قراءة الأعمال التي قام بنشرها جون كلود فوركين Jean-Claude Forquin إلى يومنا هذا تدعوني إلى التفكير في ثلاثة اتجاهات، وتدفعني، في نفس الوقت، إلى طرح ثلاثة أسئلة ستستمر بالضرورة في تأجيج الحوار بيننا. أي تكريم أجمل من ذاك الذي يُوجه إلى مثقف لا يتم فيه التعامل مع إنتاجاته وكأنها لمثقف مغرور ينتظر الثناء فقط، أو كأنها لمثل هؤلاء المثقفين الصغار الذين لا ينتظرون سوى الاعتراف الضمني بما يفكرون فيه، وإنما كمواضيع مفتوحة للنقاش العام؟ من حسن الحظ أن ورش «علوم التربية» المفتوح دوما يمنح، من دون شك، هذه الإمكانية أكثر من غيره. قد نقبل، من منظور إنساني، أن من حق الجميع أن يكون على صواب، لكن يجب التذكير أن، في عالم المعرفة الأكاديمية الذي لايزال قيد البناء، لا يشكل كل واحد منا على حدة العقل لوحده، بل ولسنا متأكدين من أننا لا نشكله مجتمعين... لهذا السبب يستمر الحوار بيننا ([1]).

سأبني تفكيري حول ثلاثة أزواج ستجمع بين العناصر المكونة لعنوان هذه المساهمة: 1) علم الاجتماع والبيداغوجية؛ 2) الثقافة والبيداغوجية 3) البيداغوجية والنسبية الثقافية.

 

علم الاجتماع والبيداغوجية

كم أنا ممتن لجون كلود فوركين كونه يعطي للفلسفة، في عز الطفرة الاجتماعية، فرصتها. فقد عمل، وهو يطوف حول إنجلترا، على تنبيه القارئ الفرنسي إلى أن علم الاجتماع التربوي لم يكن بالضرورة مشروعا يقفز على الواقع الاجتماعي من خلال إخضاعه إلى فكرة مقدسة: إعادة الإنتاج، الـمدرسة الرأسمالية، وحاليا الـذات. صحيح أن الفيلسوف، أمام هذا الادعاء، كان لديه الانطباع بأنه محروم. بقد أوضح أن إلباس الفكرة العظمى قدسيتها لا يمكن أن يتم دون وجود مبرر، وأنه يتوجب التفاهم مرة أخرى ودوما على اختيار فرضيةٍ شاملة للتفسير: لماذا هذا «الـمدمج Intégrateur العظيم» عوضا عن الآخر؟ وهل يمكن للـمدمج الأسمى، المتمثل في المجتمع نفسه، أن يكون خارج الهدف الذي نحدده له، والذي يجعل بالإمكان وجود عدة «نماذج اجتماعية»؟... وكانت الموجة الأيديولوجية والاجتماعية عويلا في الصحاري بحيث أن الفيلسوف وجد نفسه مرارا مرفوضا على نحوٍ منتظم، أو كان محكوما عليه بالقيام بدور الشاعر الملحمي المتناوب المعروف في الرسوم اهزلية، الذي من بعد ما أزعج الجميع بأغنيته التي لا ذوق لها، تم تكميمه في الأخير بينما الآخرون يحتفلون... إلا أننا، وبعد أن تعرَّفنا على «وجهة نظر علماء الاجتماع البريطانيين»، بخصوص مشكلة الـمدرسة، في الوقت الذي كنا فيه من الناحية الثقافية مُتكيفين على إخضاع الوقائع الاجتماعية لوحدوية أنا أفكر، ففتحوا لنا أبواب بحثٍ «قوي ومتعدد» ناطق باللغة الانجليزية، قام جون كلود فوركين بالدعوة إلى إلقاء نظرة على الواقعة الاجتماعية مأخوذة وفق قياسها الصحيح، التي تقاس أولا بتنوع الرؤى إليها. لا أعلم إلى أي مدى كان عمله رائدا في هذا المجال، وإن كان ساعد بالفعل في التطورات التي نلاحظها حاليا، أقصد: عودة علم الاجتماع إلى تواضع إيبستيمي تقوم التجربةُ بتنظيمها و حريصة، في إطار مدرسي، على ما يشكل نواتها الصلبة، قاصدين بذلك التلميذ في الوضعية التعليمية. لقد جعلنا، في جميع الأحوال، نفهم أن ليس هناك علم اجتماع تربوي واحد، وأنه بإمكان العديد من المدارس السوسيولوجية أن تتعايش في نفس البلد (بريطانيا العظمى)، وأن تحدث، مباشرة بعد طرح الموضوع للنقاش، مواجهة قوية دون خشية من التدخلات السياسية. ينبغي علينا تسجيل حقيقة أن، في هذا المجال أو في غيره، لا يشكل الفكر الفرنسي، مع ميله نحو نظام فكري منغلق على نفسه، سُرَّة الفكر الأوروبي.

 

اقرأ أيضا:

معنىالمدرسة

قراءة في عنوان كتاب  "الدرس الديني وعوائق بناء قيم التسامح"

كيف يمكن نقلالقيم المدرسية؟

 

المثير للاهتمام، في خضم هذا التأمل الفكري الذي يلهمنا به علم الاجتماع التربوي البريطاني، أن الارتباط قد تم، إن صح القول، بشكل طبيعي مع البيداغوجية. لا يعني هذا أن الأعمال الكلاسيكية (ذات التقليد الدوركايمي) في علم الاجتماع التربوي قد فقدت فائدتها وقيمتها: إذ يتعين، دوما، التساؤل بشكل علمي عن الكيفية التي تحدث بها، عموما، الوقائعُ في مجتمعاتنا، ومدى بعد ما يحدث في الواقع الملاحَظ عن المثالية الاجتماعية التي نحلم بها في الأكواخ ونفخر بها في القصور. فهناك، إلى جانب ما ذكرناه، واقع اجتماعي يومي يعرف حركية في العالم التربوي، وفي عوالم أخرى، يتوجب على العالِم تبيانه حتى يحقق الممارس، بثبات كبير، عملا ناجحا. إن سوسيولوجية المِنهج curriculum، الذي يُعزُّه زملاؤنا البريطانيون، والذي نخطأ في اختزاله في مسألة مقررات مدرسية (تجسيد جديد لنزعتنا التجريدية الفرنسية: النزعة الديداكتيكية)، تقدم نفسها باعتبارها مجهودا لفهم الفعل التعليمي في جميع أبعاده الاجتماعية. يمكن للبيداغوجية، في وطننا، أن تستفيد استفادة كبيرة من «سوسيولوجية التربية الجديدة» هذه التي تفضل المقارباتِ الميدانية، والملاحظةَ المباشرة للسلوكات والوضعيات، وتجميعَ المعطيات في السياقات الطبيعية واليومية. وستستفيد أكثر من فلسفةٍ تتبرم من «مَعامل الغاز الايديولوجية» لتربطها بلغة الحس السليم وتعيد لها صورة الحقيقة الملازمة لها...

هنا تطرح ضمنيا مسألة العلاقة بين علم الاجتماع، والبيداغوجية والفلسفة الاجتماعية التي تُسند الأولى والثانية على حد سواء. فإن أخذنا الخطاطة الدوركايمية لبيداغوجيةٍ ليست سوى انعكاس لحالة التربية في المجتمع، سيكون علينا بذلك العمل على إحداث تغيير اجتماعي من خلال المدرسة وبالمدرسة بشكل عام. أما إن لاحظنا، دون التخلي عن هذا الهدف، أن التوافق الاجتماعي يتجه صوب التفكك وأن الأفراد يعملون على فرض قانونهم على المؤسسات، سيكون من الضروري الاهتمام بمسارهم الشخصي عبر المتاهة الاجتماعية، ومن خلال المجتمع المدرسي على الخصوص([2]). حينها يلتقي علمُ الاجتماع البيداغوجيةَ، التي تركز نظرها غريزيا على الأسفل، حيث يكون السلوك جزءا من مسار اجتماعي قد يكون هذا أو ذاك، خطيا أو متفرعا بشكل مباغت: يكون على العلم الاجتماعي أن يستخلص منها النتائج، حتى وإن بقيت هذه مهددة بالاعتباطية الفردية.

تابع الجزء الثاني من هذا المقال من خلال الضغط هنا



المصدر

Revue Française de Pédagogie, n° 135, avril-mai-juin 2001, 117-124

الهوامش

[1] - من الواضح أن هذا النقاش قد يتجاوز، في أية لحظة، الحدود التي رسمها الواضع لها. هذا يعني أن زميلنا، إن كان يمكنه التعرف على نفسه عند استعادته لتحليلاته، له الحق تماما في أن يرفض التفسيرات الموسعة التي قمت بها بنِيةٍ لا توافق بالضرورة تفسيراته. وكما كتب روسو في مقدمة كتابه إيميل متوجها للآباء والأمهات الذين رغبوا في أن توافق النظرية المعروضة إرادتهم من خلال تأكيد ممارساتهم: «هل يجب أن أستجيب لإرادتكم؟»    

[2] - Cf. F. Dubet et D. Martuccelli : Dans quelle société vivonsnous? Seuil, 1998.

نورالدين البودلالي
بواسطة : نورالدين البودلالي
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-