Dimitris Kiritsis
اقرأ: ترجمة النصوص الفلسفية
تقديم عام للمكانة التي يحتلها الدرس الفلسفي بالتعليم الثانوي، منذ تأسيس
الدولة اليونانية الحديثة (1830) حتى عام 1996.
بدأ تدريس الفلسفة متزامنا مع البرنامج الدراسي الأول الذي
وضع رسميا حين تأسيس الدولة اليونانية الحديثة ونشر بالمرسوم الملكي "بشأن
أنظمة المؤسسات المدرسية اليونانية" في 13.12.1836/12.1.1837. هذا البرامج،
الذي سمي فلسفة، لم يكن يتضمن، مع ذلك، سوى المنطق الأرسطي مصحوبا بمقدمة مختصرة
عامة لمادة الفلسفة وتدرس لمدة ساعتين في الأسبوع بالقسم القسم المدرسي النهائي
(الرابع)، محتلا بذلك المركز الأخير بين المواد الدراسية بحسن عدد الدروس للمواد
الأسبوعية. من اللافت للنظر أن هذا البرنامج لا يقدم أي مساعدة لتدريس هذه المادة
و لا يعين أي تكوين الخيط الرابط للمنهاج الدراسي ولا تحدد المادة التي من المفترض
أن تستعملها التعليمات، علما أن المناهج والأهداف البيداغوجية، والوسائل
والأولويات الديداكتيكية للمواد الأخرى كانت محددة به بشكل واضح.
بعد عقدين من الزمان، وبالتحديد سنة 1855، أدخلت الدورية
رقم 4168 الصادرة بتاريخ 31.8.1855 إلى المدارس برنامجا جديدا دعمت فيه الفلسفة
بعلم النفس الامبريقي الذي خصصت له حصة ساعتين في القسم المدرسي الثالث. ومع ذلك
ظلت الفلسفة تحتل الرتبة الأخيرة ضمن المواد الدراسية؛ كما عرف هذا البرنامج أيضا
غياب كل إحالة إلى الوسائل البيداغوجية والمناهج الدراسية لهذه المادة.
وبموجب المرسوم الملكي لعام 1884، أصبح تدريس الفلسفة يتقاسمه
كل من علم النفس التجريبي (ساعة واحدة في القسم ما قبل الأخير) والمنطق (أيضًا
ساعة واحدة، ولكن في القسم النهائي). وفي الأخير، بعد اثني عشر عامًا، أضاف
المرسوم الملكي لعام 1896 ساعتين إضافيتين لتدريس الفلسفة. في العام التالي، نصَّ
المرسوم الملكي بتاريخ 11.9.1897 على إنشاء برنامج جديد، تم فيه، لأول مرة، تحديد (بشكل عام) هدف تدريس هذا المادة الدراسية، المتمثل في
مساعدة الأطفال على استيعاب المفاهيم الأساسية سواء لعلم النفس أو للمنطق، وجعلهم
يستأنسون بالتصورات الفلسفية من أجل تحفيز اهتمامهم على دراسةٍ متعمقة أكثر
للفلسفة. لذا بدا تعلم هذا التخصص وكأنه، بالأحرى، مرحلة تحضيرية، بالمعنى الهيغلي،
الهدف منها النهائي توفير تعلم فلسفي أولي وتمهيدي للدراسات الجامعية للفلسفة
لأولئك الذين يمكنهم الاعتماد عليه. إلا أن هذا البرنامج الأخير كانت له جوانب
سلبية، حيث أنه نص على تخفيض ساعات التدريس الأسبوعية لعلم النفس والمنطق إلى
ساعتين: ساعة في الثالثة وأخرى في الرابعة. ولم تحدث المحاولات الإصلاحية الأربع
التي تلت (بموجب المراسيم الملكية الصادرة في 21 سبتمبر 1900 و 6 سبتمبر 1903 و 5
أكتوبر 1906 و 31 أكتوبر 1914) أي تغيير فيما يتعلق بالحصص الزمنية لتدريس
الفلسفة، ولكنها على الأقل أعادت النظر في تحديد الأهداف الديداكتيكية للمادة
الدراسية التي أصبحت أداة لتطوير الموقف الأخلاقي للتلميذ تجاه عائلته ومجتمعه
ومواطنته.
ظلت هذه الجداول الزمنية السخيفة دون تغيير بالنسبة للمناهج
الدراسية حتى المحاولة التجديدية لعام1931، والتي كان مصدر إلهامها الرئيسي أ.
دلموزوس. منذئذ أصبح "المدخل إلى الفلسفة L’initiation à la Philosophie
" هو اسم هذه المادة التعليمية، وسيتم - لأول مرة منذ تأسيس
الدولة اليونانية الحديثة - تدريسه خلال أربع ساعات في الأسبوع في السنة الأخيرة
(القسم السادس). لأول مرة أيضًا، سيحظى التعليم الفلسفي باهتمام كبير من خلال برنامج
تحليلي (مدرسي): إذ سيقترح محرر هذا البرنامج عددًا كبيرًا من التحديثات من حيث
الشكل أو المضمون. تتعلق أهم التحديثات في هذا البرنامج بالرغبة في تعليم الأطفال كيفية
تجميع الاستنتاجات المستخلصة من كل مادة يتم تدريسها بالمدرسة لتركيب نظرية عامة
عن العالم والحياة؛ كما تكمن حداثة هذا المنهاج، من ناحية ثانية، في دور المعلم
الذي أصبح بمقدوره اتخاذ قرار بشأن الوسائل الديداكتيكية وفقًا للعمل الذي يقوم به
تلاميذه في موادهم المدرسية الأخرى. ومع ذلك، فقد كانت النتائج أقل إقناعا مما كان
متوقعا، بسبب المبالغة الكبيرة في تقدير قدرات الطلاب ومعلميهم. لا الأطفال كانوا
مستعدين لاستنتاج نظرية عامة عن العالم والحياة بأنفسهم، لافتقارهم إلى الإعداد
الفلسفي والإمكانات الروحية، ولا المعلمون كانوا مستعدين لتولي مسؤولية اختيار
المواد التعليمية التي يمكن أن ينصحوا بها تلاميذهم، وذلك لعدم كفاية التعليم
الفلسفي في الجامعات وقصور ببليوغرافية الأعمال المناسبة والتي يمكن الوصول إليها
باللغة اليونانية الحديثة.
التغيير الحكومي التالي لم ينفذ أي إصلاح في تدريس
الفلسفة، باستثناء حديد الوسائل الديداكتيكية (المرسوم الملكي الصادر في
5.11.1935)، مقسمة إلى ثلاث فئات: علم النفس وعلم المنطق وعلم المعرفة Gnoséologie. لفترة طويلة ، نادرًا ما كان يتم تدريس نظرية المعرفة بسبب ضيق
الوقت، في حين أن معظم الأساتذة الذين ليس لديهم إعداد فلسفي كافٍ اعتبروا المنطق مادة
مملة وصعبة وتجنبوا تحمل مسؤولية تدريسه. ولقد استمر العديد من الأساتذة في المسار
السهل بحفظ النظريات، المأخوذة من الكتاب المدرسي، عن ظهر قلب دون تحليلها أو طرح الإشكال،
مما أدى إلى اختصار المادة في بضع صفحات غير واضحة، كان على التلاميذ أن يستخلصوا
منها المعرفة اللازمة لاجتياز امتحاناتهم الشفوية والكتابية.
نصل إلى عام 1964،
بعد فترة ثلاثين سنة لم يحدث فيها أي تغيير، حيث قام إ. بابانوتسوس بمحاولة لإصلاح
النظام التعليمي في ظل حكومة جي باباندريو؛ في ظل هذا الإصلاح تم وضع العلوم
الاجتماعية في مركز المناهج الدراسية الجديدة. وقد شكلت الفلسفة، باعتبارها جزءًا
من العلوم الاجتماعية، مادة مدرسية حملت عنوان "عناصر الفلسفة وعلم النفس
والمنطق"، تقرر تدريسها لمدة ساعتين في الأسبوع في الفصل قبل الأخير من
المدرسة. في هذا المقرر انصب التركيز على تقديم العصور العظيمة في تاريخ الفلسفة
والدفاع عن قيمها العملية.
إلا أن قيام النظام الدكتاتوري العسكري في 21 أبريل 1967
ألغى إنجازات الإصلاح التعليمي لعام 1964، وألغى معه جميع المؤسسات الليبرالية
الأخرى. ومع ذلك فقد استمر تدريس علم النفس والفلسفة لمدة ساعتين في الأسبوع، في
الخامسة والسادسة على التوالي، بالرغم من التركيز أكثر على المنطق ونظرية المعرفة
والأبستمولوجيا من أجل تحقيق هدف ثلاثي: لتعريف التلاميذ بروح ومنهجية العلم ،
لتكوين تصور فلسفي صحيح ومؤكد للعالم والإنسانية ، وأخيراً ، لتنمية تفكيرهم
النقدي وإثارة اهتمامهم بالفلسفة.
في عام 1980، ست سنوات من بعد إعادة تأسيس الجمهورية، بدأ العمل بنظام الأسبوع المكون من خمسة أيام
لأول مرة في التعليم (حتى عام 1979 كان الأسبوع الدراسي يتكون من ستة أيام). وبما
أنه تم تخفيض مجموع الساعات الأسبوعية لجميع الأقسام إلى ثلاثين ساعة ، فقد تم
تخفيض ساعات علم النفس بنسبة 67٪ (ساعة واحدة فقط للأسدس الأول والثاني من القسم الخامس)
، كما تم أيضا تخفيض ساعات الفلسفة بنسبة 50٪ (ساعة واحدة في الأسبوع في القسم
السادس). أدى هذا التطور تقريبًا إلى حذف الفلسفة من المناهج الدراسية وتسبب في
حالة من السخط وخيبة الأمل، إلى أن أعاد منهاج تحليلي جديد تأسيس الدرس الفلسفي
عام 1985، وبلورة كتاب مدرسي جديد ومنح الفلسفة ساعتين أسبوعيًا في قسم الباكالوريا.
تم تقديم هذا الدليل في أربعة أجزاء: عرض كرونولوجي للفلسفة اليونانية القديمة،
عناصر المنطق الكلاسيكي، إشكاليات علم الغنوص والنظرية العامة للعلوم. والواقع أن من
بين هذه الأجزاء الأربعة، تم تدريس الجزأين الأولين فقط، لعدم وجود وقت كافٍ للدرس.
رابط
مقالنا: مدرس الفلسفة فيلسوف؟
التطورات السلبية للعقد الماضي
ظل الوضع الفعلي لنظام التعليم في اليونان مستقرًا حتى
الإصلاح الذي تم خلال الفترة المتراوحة ما بين 1997 و 2000. أحد التغييرات
الرئيسية التي تم إجراؤها خلال فترة الثلاث سنوات على هيكل النظام التعليمي هو
الاختيار الإجباري للمواد التي تنتمي إلى أحد خيارات التوجيهات الثلاثة الآتية: العلوم
النظرية والعلوم الطبيعية والتكنولوجيا، والتي أصبح من الضروري، عند بلوغ الفصلين
الأخيرين من المدرسة الثانوية،
الاختيار بينها، مع الاستمرار في نفس الفصل متابعة دروس مواد
التعليم العام، المشتركة بين جميع الطلاب (من جميع الاتجاهات الثلاثة دون اختلاف).
فيما يتعلق بتدريس الفلسفة بشكل أكثر تحديدًا، فالانخفاض
الكبير في قيمة هذا التخصص في التعليم الثانوي اليوناني قد تميز بمستجد أساسي تمثل
في حجز مسار الفلسفة حصريًا لطلاب الاتجاه النظري، باعتباره بداية دورة اجبارية في
السنة النهائية و، من العام الدراسي 2000-2001 ، في الصف ما قبل الأخير من المدرسة
الثانوية. غالبية الطلاب -الذين اختاروا اتجاهات العلوم الطبيعية أو التكنولوجيا-
حُرموا من فرصة اكتشاف
بأنفسهم المبادئ الفلسفية الأساسية. لقد أدى هذا التطور
السلبي بشكل خاص إلى خلخلة واقع ظل ساريًا في المناهج الدراسية إلى ذلك الحين منذ
تأسيس الدولة اليونانية الحديثة تقريبًا. من الواضح أنه بوضع الفلسفة في مرتبة مادة
التخصص، يتم تبني تصور خاطئ للمفاهيم الفلسفية الأساسية (مثل المعرفة والفضيلة
والأخلاق والوجود والجوهر) ، وكما يتم التركيز على الفكر والبحث الروحي المستمر
وما يترتب عليه من اهتمام بمجموعة مميزة من فئة مهنية معينة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن إدراج مقرر توجيه العلم النظري
الإجباري في امتحانات البكالوريا، والذي يفتح الباب أمام التعليم العالي للتلميذ، كانت
له ثلاث نتائج مباشرة وغير معروفة حتى الآن بالنسبة لنظام التعليم اليوناني. أولاً،
تم الدفع بعدد كبير من الطلاب إلى أخذ دروس الدعم غير الرسمية (الساعات الإضافية) في
الفلسفة؛ ثانيًا، وجدت دور النشر الكبرى حافزًا ماليًا من خللا نشر منشورات في
الدعم المدرسي وتنفيذها بالمكتبات؛ وثالثاً، "أُجبر" التلاميذ على تخصيص
المزيد من الوقت لدراسة مادة الامتحان من أجل زيادة فرص الحصول على معدل جيد في
البكالوريا من أجل التمكن من الالتحاق بجامعة من إلا أن الوضع تغير بشكل مفاجئ في
العام الدراسي 2003-2004 (وظل كذلك حتى الآن)، وذلك بعدما تم تنحية الفلسفة عن امتحانات
البكالوريا و لم تعد، بالتالي، موضوعا إجباريا للوصول إلى التعليم العالي: من
ناحية، تم إعفاء جميع الطلاب تقريبًا من ساعات دروس الدعم الغير الرسمية ومن شراء
كتب المساعدة المتوافقة مع برنامج المدرسة، ومن ناحية أخرى، تقلص الوقت المخصص
لدراسة الفلسفة بشكل ملحوظ.
حاولت وزارة التربية والتعليم حل مشكلة غياب مقرر
الفلسفة في المناهج الدراسية لجميع التخصصات، ولكن بطريقة لم تكن فعالة. بمقتضاها تم
تقديم حصتين جديدتين في برنامج السنة النهائية لقسم العلوم الطبيعية فقط. يتعلق
الأمر ب"إشكالية الفلسفة" و "المنطق: النظرية و التطبيق". و مع
ذلك، فإن تدريس هذين الموضوعين ليس إلزاميًا، إذ احتُفِظ بهما كمادتين اختياريين من
بين المواد الخمس أخرى، و التي لم يكن ينتقهما إلا جزء صغير فقط من التلاميذ،
الذين ظلت غالبيتهم العظمى سلبية تجاه الفلسفة. الملفت للنظر أنه خلال العام
الدراسي 2004-2005، درِّست "إشكالية الفلسفة" في مدرسة واحدة فقط في
مدينة ثيسالونيكي، من إجمالي 104 مدرسة. وكان مصير المنطق الأسوأ، لتجاهل الكتاب
المدرسي لهذا التخصص حتى من قبل المعلمين أنفسهم.
بالإضافة إلى كل هذا، حدث، بشكل خاص خلال العام الدراسي
2000-2001، تطور سلبي آخر سبّبه إلغاء دورة دراسية بعنوان "نصوص فلسفية"،
كانت تستغرق ساعتين في الأسبوع، وكانت تسمح لأطفال سن الرابعة عشرة بالاتصال الأول
بعالم الفلسفة المجهول. تتألف هذه الدورة من أربعة نصوص لفلاسفة يونانيين قدماء،
تُرجمت إلى اليونانية الحديثة (عادةً ما تم استخدام أبولوجيا أفلاطون ، وفيدون
وكريتون، بالإضافة إلى مقتطف صغير من الأخلاق النيقوماخية لأرسطو) مرفوقة بتعليقات
وتفسيرات وملخصات للسياق الذي أخذت منه المقتطفات المقترحة ، إضافة إلى أسئلة
الفهم. تقليديًا، شكلت الدورة "النصوص الفلسفية" الدراسية ضمن النظام
التعليمي اليوناني فرصة أولى للتعرف على فلسفة اليونان القديمة وتزويد الأطفال
بالمضامين في إطار محاولتهم الأولى من الاقتراب من التفكير الفلسفي.
لحسن الحظ، فهمت وزارة التربية خطأها وقررت إعادة تدريس "النصوص
الفلسفية" بعد ثلاث سنوات فقط من إزالتها من المناهج الدراسية. هذه المختارات
الجديدة تم تحديد مدة تدريسها في 25 ساعة ضمن مجموع ساعات التعليم وتضم نصوصًا للفلاسفة
بدءًا من عصر ما قبل سقراط، من خلال أفلاطون وأرسطو، وحتى فلاسفة العصور اليونانية
القديمة المتأخرة. وكان من المفترض أن تكتمل كتابة المختارات بداية عام 2008، ومن
المقرر تنفيذها بالتعليم الثانوي خلال العام الدراسي 2008-2009.
رابط
مقالنا: هوس الفلسفة!
موقف المجلس العلمي وعمله الأدبي
يعطى دوما القليل من الاهتمام لمسألة تحسين مكانة
الفلسفة في التعليم الثانوي، مما جعل غالبية الفلاسفة اليونانيين يبدون سلبيين أو
حتى انهزاميين. عدم تقدير هذه المادة داخل الإطار المدرسي لا يترك مجالا لمقاربة
مختلفة. فمن النادر أن ترى أستاذًا للفلسفة في منصب حكومي رفيع أو بوزارة التربية والتعليم (كمستشار أو مدير مشروع المناهج الدراسية
أو ما إلى ذلك)، ومع ذلك لا يوجد سبب نتوقع معه حدوث تغيير كبير ينتج عن عامل مؤسساتي.
أما أساتذة الجامعات فهم بعيدون عن واقع التعليم الثانوي، وربما كان اختيارهم كذلك
حتى يستطيعون التركيز بشكل أساسي على البحث والكتابة والتدريس بالمعاهد العليا. وأما
المدرسون بالمدارس الثانوية، المسؤولون عن تدريس جميع المواد المتعلقة بالعلوم
الإنسانية (اليونانية القديمة، والأدب اليوناني الحديث، والتاريخ، وعلم النفس،
والفلسفة، واللاتينية) فهم لا يبدون أي رغبة في الصراع من أجل تحسين مكانة الدرس الفلسفي،
بل، على العكس تمامًا، هم يتجنبون بشكل منهجي تحمل مسؤولية تدريس هذه المادة بتفضيل
أخريات يعتبرونها أسهل.
بشكل عام، وباستثناء أحداث 1980، لم يتم أبدًا العمل بشكل منسق عندما أوشكت الفلسفة من الاختفاء من المناهج
الدراسية، مما تسبب في حدوث اضطرابات وخيبة أمل بين الفلاسفة ومكنهم من الوعي
بضرورة الاتحاد واتخاذ إجراءات عملية فورية. لذلك شهد العام الموالي إنشاء
"اتحاد الأساتذة لدعم الفلسفة في التعليم الثانوي" الذي يكفل التنسيق
بين الهيئات الجامعية ومستشاري المدارس والجهات الفاعلة الأخرى ذات الاهتمام الخاص
بالدرس الفلسفي، وينظم الفعاليات والمؤتمرات العلمية والثقافية لتحقيق هدف فرض
برنامج تحليلي جديد وجداول زمنية جديدة من أجل تحقيق المعايير البيداغوجية
والمعاصرة. أدت جهود هذا الاتحاد وغيره من العلماء في النهاية إلى تحسين مكانة
الفلسفة في المناهج التحليلية وفي توزيع الجداول الزمنية المدرسية لعام 1985.
يمكن اعتبار ببليوغرافيا الإشكالية البيداغوجية للفلسفة
وتأثيرها على التعليم الثانوي في حالة متردية، نظرًا لأن الأعمال المنشورة في
اليونان قليلة جدًا (بشكل رئيسي في المجلات Elliniki Filosofiki Epitheorisi (مجلة [مفتشية] الفلسفة اليونانية)، Nea Paideia (التربية الجديدة) و Filologos (عالم فقه اللغة). وإنه لمن
الغريب بقدر ما هو مزعج أن نلاحظ أن العقد الماضي لم يتسم فقط بتطورات سلبية في وضع
الفلسفة في النظام المدرسي، ولكن أيضًا بالانخفاض الكمي في الأعمال المنشورة التي
تتناول هذه المشكلة، في حين أن الدراسات المكرسة لقضايا تدريس موادٍّ أخرى
(اليونانية القديمة، اليونانية الحديثة، التاريخ، علم النفس) ظلت تحظى بمكانة مهمة
إلى حد ما من حيث الكتب التي يتم إصدارها في الوقت الحالي. نتاجا لذلك تقبل معظم
الباحثين، على مضض، بالتأكيد، أن العديد من الناس يسوؤون تفسير الفلسفة وينظرون
إليها على أنها ترف يتجاوز إطار الحياة اليومية (primum vivere deinde philosophare)، وكأنها هواية للمتفرغين القادرين على مواجهة المشاكل العامة
والمجردة فقط، ولا تؤدي إلى تطبيق عملي ولا تهم سوى الحالمون المثاليون. لذلك رأوا
أن من واجبهم بذل الجهد لإقناع الجمهور بأهمية الفلسفة من خلال الدفاع عنها بجميع
الأشكال الممكنة، بينما اعتبرت
أهمية
العلوم الإنسانية الأخرى، في جميع الأعمال المنشورة، بديهية ولا تحتاج إلى إثبات. إن خصوصية
طبيعة الفلسفة وميل بعض الدوائر إلى التقليل من شأنها، تُلزم مؤيديها بمناقشة
قيمتها التربوية. إلا أنه بدلاً من تحليل القضية الفلسفية الرئيسية، غالبًا ما يتم
تركيز الخطاب -سواء تعلق الأمر بمرجع تمهيدي أو بتحليل أكثر تفصيلاً- على تعداد
الأدلة التي تهدف إلى تأكيد أهمية وفائدة الفلسفة كمجال علمي وكمادة مدرسية.
طريقة تدريس الفلسفة ودرجة تقدم التلاميذ فيها
لتدريس الفلسفة، يلتزم غالبية الأساتذة، أولاً وقبل كل
شيء، باتخاذ مسار ديالكتيكي، أي المناقشة مع التلاميذ، غالبًا ما يكون في شكل
أسئلة عديدة تهدف إلى خلق مناخ من التعاون بينهم وتشجيع الأطفال على التعبير عن
آرائهم. يتكون الإجراء الأكثر شيوعًا في عملية التدريس، التي تستغرق ساعة واحدة،
من المراحل الثلاث التالية: الدقائق العشر الأولى تتم فيها المراجعة والتحقق من
استيعاب التلاميذ للدرس السابق والعمل على ربطه بالدرس المراد تقديمه. بعد ذلك
مباشرة، يتم عرض الدرس الجديد الذي يستمر حوالي خمس عشرة دقيقة ويتخذ شكل سرد من المفترض
أن لا يوقفه التلاميذ. وتبلغ مدة المرحلة الأخيرة 25 دقيقة وتخصص للمناقشة والتعليق
ونقد العناصر الأكثر إثارة للاهتمام خلال الدرس والمساعدة أكثر على تنمية القدرات
والمواقف الروحية والعاطفية للأطفال. في هذه المرحلة الأخيرة، يلعب التلاميذ دورا طلائعيًا،
ويدعون لبلورة إشكالاتهم الخاصة والتعبير عن اهتماماتهم الفلسفية. وهكذا نرى أن
المدرسين يعتقدون أنه للحفاظ على حماس وفضول التلاميذ في حالة تأهب ولتشجيعهم على مساءلة
أنفسهم والبحث عن حلول مبتدعة، من الضروري تشجيعهم على التعبير الحر عن آرائهم كجزء
من مناقشة فلسفية شديدة الأهمية (تحدث
غالبًا بين المدرس والتلاميذ ، ولكن أحيانًا بين التلاميذ أنفسهم أيضًا) في مناخ من القبول المتبادل والتسامح والثقة.
يختار عدد قليل من المدرسين تدريس الفلسفة على الطريقة الحوارية
بشكل يمكن وصفه بأن محوره الأستاذ. ولكن نظرًا لسنهم، فإن معظم التلاميذ لم ينضجوا
بما فيه الكفاية للمشاركة في حوار فلسفي بناء، مما يشكل السبب الرئيسي وراء إحجام
المدرسين عن تكريس الكثير من وقت التدريس في تنظيم مناقشة. فعالية هؤلاء المدرسين تكون
أكبر عند العرض الإلقائي لموضوع جديد ويحسون مسؤوليتهم تجاه توزيع الحصص الزمانية
في ظروف برنامج مدرسي بساعات محدودة وحيث لا يمتلك غالبية التلاميذ خبرة سابقة في
الاتصال بالفلسفة، ذلك أن هذه الشروط لا تترك هامشا أكبر لتنوع المقاربات الديداكتيكية
وللتجريب. لذلك فهم يدعمون أطروحة الأستاذ المسؤول والمهيأ بشكل مناسب فلسفيًا
وعلميًا والذي يرفض الحل السهل المتمثل في التحاور مع التلاميذ، أولئك الذين لا
يستطيعون حتى على المجادلة، ولا أن يطلب منهم، أثناء إلقاء الدرس مع الحفاظ على الكتاب
مغلقا، تدوين الملاحظات.
في الأخير، تجدر الإشارة إلى أن عددًا قليلاً من المدرسين
يربطون التلاميذ بشكل منهجي بالمصادر، أي بنصوص فلسفية موجزة، لتشجيعهم على إبداء
التعليقات والانتقادات والتفسيرات واستنتاجاتهم. ذلك أنه يتم تقديم نصوص الفلاسفة
اليونانيين القدماء للتلاميذ مترجمة إلى اللغة اليونانية الحديثة. وقد كان هناك، في
سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، خلاف شديد في الآراء بين الأساتذة الذين
دافعوا عن تدريس النصوص الفلسفية اليونانية القديمة المترجمة، وأولئك الذين عارضوا
ذلك وأكدوا أن النص الأصلي وحده كمين بنقل كل العمق و المعنى الدقيق للفلسفة اليونانية
القديمة. منذ عدة سنوات، ومع الأخذ في الاعتبار الصعوبة التي يواجهها الأطفال في
فهم اليونانية القديمة، وهي لغة صعبة ومعقدة بشكل استثنائي (على الرغم من أنهم
يدرسونها في المدرسة)، فقد تم الاتفاق مع ذلك على إعطاء الأولوية للنص كنقطة
انطلاق للتفكير الفلسفي والتعليق والتحليل.
بالنظر إلى الحضور الضئيل لدرس الفلسفة في استعمالات
زمان المناهج الدراسية، يمكن اعتبار نتائج المحاولات التي قام بها الأساتذة والفعل
الديداكتيكي الذي تم إجراؤه خلال العام الدراسي مرضية وقيمة. من المستحيل بالطبع
تحقيق أهدافٍ تعليمية معينة للبرنامج التحليلي، طالما أنها تتطلب مستوى قويًا من
المعرفة الفلسفية والتفكير الناضج. هذه الشوائب هي للأسف تقع خارج نطاق الواقع،
حيث لا يكون للتلاميذ اتصال أولي مع الفلسفة إلا في الفصل ما قبل الأخير (غالبًا، ما يكون
هذا الاتصال أيضًا هو الأخير)، ولم يكونوا، إلى حد ما، قد مارسوا التأمل بعد. وهكذا،
وعلى الرغم أن كفاءتهم الفلسفية
تظل حتى سن 17 عامًا في حالة المائدة الممسوحة tabula rasa، فإن التلاميذ يكتسبون بعض المعرفة الفلسفية من خلال هذه الدورات
المدرسية، علما أن هذه المعرفة يمكن وصفها بأنها سطحية وعابرة.
رابط
مقالنا: قراءة في عنوان كتاب "الدرس الديني وعوائق بناء قيم التسامح"
ملاحظات ختامية
وفقًا لمتوسط ساعات الدراسة الأسبوعية، الذي يشير إليه
مُعامل الأهمية في التسلسل الهرمي للمعارف المدرسية، فإن درس الفلسفة احتل المرتبة
الما قبل الأخيرة (مع 1.2 ٪ فقط من إجمالي الزمن المخصص للمناهج الدراسية) من بين المواد
المدرسة في المدرسة الثانوية منذ تأسيس الدولة اليونانية الحديثة وحتى نهاية الحرب
العالمية الأولى. بعد الحرب، ظل مكان الفلسفة في النظام التعليمي اليوناني دون
تطور كبير إلى عشية القرن الحادي والعشرين. وعليه فإن التوزيع الهرمي لجداول الزمن
المدرسي بين التخصصات المقررة تتبع القواعد التي تم وضعها خلال المائة عام الأولى من
عهد الدولة اليونانية الحديثة، والتي بموجبها لا تشغل الفلسفة سوى 1.88٪ من إجمالي
الساعات المبرمجة، وقد بقيت هذه الساعات المخصصة للفلسفة دون تغيير حتى وإن استمر التزايد
الكمي لساعات الدراسة الأسبوعية بشكل عام. وإذا التزمنا بفصل منطقي وضروري علمي
بين الفلسفة وعلم النفس ( باعتبارهما يشكلان جوهر الدرس الفلسفي في نهاية القرن
العشرين)، فسنتبين أن تدريس الفلسفة لا يشغل أكثر من ساعتين في أي منهاج دراسي.
بالتوازي مع الحد من الزمن الدراسي، نلاحظ أيضًا قيودا
كبيرة على وجود الفلسفة في البرامج التحليلية والتوجيهات الدوريات [المذكرات]
المرجعية؛ وفي الحالات النادرة التي نصادف فيها التعليمات البيداغوجية والوسائل
الديداكتيكية وأهداف الدرس، فإنها لا تعدو أن تكون بضع سطور لا تقدم سوى قليل من التوضيحات
للأساتذة.
في الختام، فإن إضفاء الطابع المؤسساتي على تدريس الفلسفة
في المناهج الدراسية قد كان دوما بين يدي صانعي القرارات المترددين أو الخجولين،
مما أدى إلى استمرار انخفاض قيمة هذه المادة وعدم استقرار وضعيتها في التعليم
الثانوي. ولاتزال الفلسفة اليوم مهمشة على مستوى جدول الحصص الزمانية والبرامج
التحليلية ويخصص لها ساعتان دراسيتين أسبوعيتين في الصف ما قبل الاخير من المدرسة
الثانوية، ويقتصر على تلاميذ توجيهٍ في البكالوريا من بين فئات التوجيهات الثلاثة
الموجودة. لا يمكن للمحاولات المشرفة القليلة التي يبذلها بعض الأساتذة سوى على
إنشاء بعض مساحات ضوء صغيرة، في ظل الظروف غير المواتية الحالية. واليوم، أكثر من
أي وقت مضى، يتم التشكيك في الفلسفة بصورة منهجية، في وطنها الأصلي ذاته. ولم تعد
الأصوات المدافعة عنها تسمع إلا ناذرا، فيما يبدو مستقبلها قاتما.
اقرأ: ترجمة النصوص الفلسفية
نرحب بتعليقاتكم في خانة التعليقات أسفل هذه الصفحة