الفلسفة مستفزة، تثير اشمئزاز عامة الناس، و، في نفس الوقت، تثير رغبتهم في
خطف لفتة منهم لمعرفة الموضوع. ما تكون هذه الفلسفة؟ هي متوسلة، متشكية، لكن بكبرياء،
بشغب.. سقراط الذي ندد بالجور، لم يتنازل عن جرعة الموت.
ملْنا، عاد بغينا نتعلمو نفكرو؟
الفلسفة معرفة إنسانية تنقل من جيل لجيل هدفها تمرس المريدين على التفكير.
هي ليست للتلقين.. ولا للحفظ، بل للإستيعاب،
لطرح السؤال.. الأسئلة الملحاحة والمستفزة. المهووس بها مربوط بالدهشة حتى أنه لا
يخفي جهله المترامي على سعة المعرفة فيُهطِلها أسئلة زاخرة. المهووس مشغول بفوضى
العالم، فيُجدّ بإعادة النظام إليه، في الوقت الذي يعيش العالم فوضاه وكأنه يُعايِش
مرضه. المهووس يفجر فوضى عالمه إلى جزيئات وجودية، أسئلته المترامية، ليعيد
الاتساق إليها، ويكون العالم قد ألف الفوضى لمصلحته الشخصية ويبخس النظام، لأن
النظام وضوح يزيل عتمة الأنانية المتضخمة.
تمرسٌ على التفكير استجلاءً للعقل. خطوة خطوة يبني هيكل الفكرة العاقلة.
كان أولا طفلا مشاكسا بسؤاله المدرار الأكبر من إجاباته. وبقدر ما يرشد ينتبه إلى أنه
صار طفلا مكتوبا عليه ألا يرشد، أن لا يستسلم أمام عشق السؤال..
صدعتينا بهاذ السؤال.. السؤال، مالك فيك الهدرة بزاف؟
الفيلسوف لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا دققها، وأحيانا يمعن كثيرا في تدقيقها. وكلما دقق أمرا بنى عليه صرحا، نظرية تشرّع وجوده، ووجود
العالم. لكنه لا يتسامح أبدا حتى يُقوّم المعوج: لا يخشى توجيه ملاحظاته، وتحريك
الآسن طمعا في التجديد. هو النقد الصارم لما لم يعد زمنه باق. هو الخلخلة الكبرى
التي تحْنق الراكد. وهذه ريادة المُتعلًم لدى الطالب: فكر نقدي لا يتوانى: لذا
الفلسفة ليست للحفظ، هي ممارسة فكرية، اشتغال لحظي للذهن. أيها المربون، يا معلمي
الفلسفة، علموا مريديكم حب السؤال ونهم النقد العاقل لبناء الصرح. اجعلوهم يمقتون
المباشر، المعطي ضمن ملخصات، هوامش الهوامش التي يفتقد معها المعنى؛ أذيقهم ألم حب
الفهم، ملتوياته العصية، فلا عبق للورد دون وخز الشوك.
تتجبدو لراسكم الصداع!
السلطة، بتعدد لهجاتها ولغاتها، تنكّد عليها دخولها المؤسسة التعليمية، لكن
لا تجد عنها سبيلا، فهي معرفة إنسانية مصيرها النقل من السابقين للاحقين، وهي أيضا
فاتنة. السلطة تحصي أنفاسها: يمينها ويسارها، فوقها وتحتها، أمامها و خلفها. وأما هي فترفع أصبعها إلى الفوق، تنزله إلى تحت؛
تلف الكون بأسئلتها التي تقض ليل السلطة-الخفاش، الساهرة على عرينها من طمع
الفلاسفة الحكام. كنه الصراع الناعم المراق داما المحروق ورقا. ومع ذلك هي باقية
أيقونة الاستجلاء. تغير جلدها كلما طغى علم العالم، وتبقى ها هنا. وستظل هي لأنها
العلم الذي إن اندثر انتفض من رماده. الفلسفة....
هام:
سجلوا تعليقاتكم بالمستطيل الخاص بالتعليقات أسفل الصفحة