اقرأوا مقالنا: قراءة في عنوان كتاب "الدرس الديني وعوائق بناء قيم التسامح"
تشكل فئة الشباب شريحة
هامة من المجتمع المغربي خاصة، والعربي عامة؛ ويشكلون الدعامة الأساسية للحركية
الاجتماعية على كافة المستويات. مع ذلك لا يمكن السكوت عن الاعطاب التي تلازم نسبة
عالية منهم وعلى رأسها البطالة والأمية، على تنوع أشكالها، والاتكال على الغير في
قضاء مآرب الحياة... فالشباب اليوم يجد نفسه مكتوف الأيدي أمام متطلبات الحياة،
دانيها وعاليها، مما يقود فئة هامة منهم، سعيا لتحقيقها، إلى الجريمة بجميع
أشكالها.
الفراغ: عدم، أو
التوقف عن، الدراسة؛ عدم وجود شغل يؤهله لحياة مستقرة؛ التذمر من العيش في وسط لا
يساير طموحاته؛ مظاهر عديدة تكشف عن مدى اتكاليته في قضاء أغراضه، وعلى رأسها
الحصول على دعم مادي من العائلة؛ نرجسية الغلبة فيها للذات باعتبارها محور تحرك
العالم، "
من الجنون والحمق
الحديث الآن عن نموذج ثقافي يُتْبَع. المغربي لا يوحده نموذج ثقافي واحد، و إلا ما
كان ليعيش فراغا وجوديا. إنه المسلم، من أكثره اعتدالا إلى أقصاه تطرفا، وهو
الحداثي بما تأثر به من قراءات بالغة في التجريد و، أيضا، بما التصق به من مشاهدات
صُوَرِية أو سماعية تحملها له الاستعمالات التقنية التي أصبحت لا تتطلب جهدا فكريا
لتعلم استخدامها. إنه الاستثناء الذي يتكيف مع كل المعطيات المعيشية على اختلاف
الوانها ومستوياتها التثقيفية، ولا يتبع أنموذجا نظريا لانعدام وجود أنموذج عربي،
فبالأحرى مغربي، يمثله حقيقة وفعلا. قد يقول قائل أن النموذج الحداثي يجمع
الإنسانية، وهو أمر له مبرراته ومقبوليته، لكن ألا تأخذ قيم مجتمعية أخرى طابعها
الإنساني، فتكرس راهنيتها على جميع الأصعدة، خاصة في المجتمع المغربي. والحق أن
الشاب المغربي و، من دون شك، العربي يجد نفسه متشتتا بين أشكال من الأنا، منها
المتمسك بالتراث ومنها القابض على القيم "المتقدمة"، فلا تمثله هذه ولا
تلك، لكونه يترنح بين الاثنين كلما دعت الضرورة لذلك.
إنك كمغربي و، ربما،
عربي لن تجد غريبا وضع شاب بآخر تقليعة في مشطة الشعر واللباس والوشم، يبوح أن لا
وجود إلا لله والحاكم؛ أو وضع آخر يفتي في جمع بفتي السلف الصالح في أعقد أمور
الدين، ويناضل من أجل حرية الحياة الجنسية؛ وآخر يدعو فصل الدين عن الحياة
السياسية و... ويفاجئ الجمع برد مثير على تدخل أحد محاوريه أننا كلنا مسلمون وكأنه
يمارس مبدأ التقية... وقس على ذلك. هذه الثنائية الشديدة الغموض لا ولن تجد مفسرا
لها ما دامت الدولة العربية تحرص على دوامها. إضافة إلى أن الجمهور يحرص على أن
يكون امتدادا لهذه الدولة باعتبارها عباءة سلطانية وبدلة حاكمية، كما قال أحدهم.
وقد سبق للباحث محمد الطوزي أن استغرب استمرار السلطة في لعب دور الإمارة والحداثة
في نفس الوقت وإدارتهما بإتقان، وذلك خلال مروره ببرنامج استجوابي بفرانس 24.
اقرأوا مقالنا: العلمانية قيمة غير كونية ولا مطلقة
اقرأوا مقالنا: العلمانية قيمة غير كونية ولا مطلقة
نعم، لا وجود لأنموذج
يمثلنا كعرب، قولٌ لا نكاد نفتقده في جميع، إن لم نقل كل، المجموعات الحوارية.
المربون بجميع أطيافهم عند كل تكوين، أساسي أو مستمر، يتبرمون مما يقدم لهم من
جديد في ميدان البيداغوجيا أو الديداكتيك بدعوى أنه عصي عن الفهم والتطبيق لعدم
مماثلته للواقع المغربي، ولا حتى العربي أو الإسلامي. قس على هذا في ميادين عديدة
اجتماعية أو سياسية. إن التشبث بالماضي المتألق والحداثة المستقبلية ميزة المغربي
والعربي. كل المثقفين يعلمون أن فصل الدين عن الدولة أمر لن تسمح به السلطة، بل
ولا حتى الامتدادات الاستعمارية، لأن مصلحة الجميع في استمرار هذا النظام الممتزج.
من هنا أعتقد أن دور المثقف رهين بلعب دور الراتق لهذين المنظومتين. وأظن أن
النجاح الباهر الذي عرفته أوروبا الإصلاح إنما كان لتجاوب الشعب مع أفكار النهضة،
ومساندته لها، لا نفوره منها.
إن الشباب المغربي يجد
نفسه أمام فراغ هائل، لأنه لا يجد نفسه فيما تقدمه له النخب بجميع أطيافها، أحيانا
حتى الدينية منها. هل من مثال: الصراعات من صرعات منظمة في قوعد مؤسساتية إلى حروب
فايسبوكية طاحنة.
صحيح أن البحث والتقصي
موجود لكنه مهمش، ليس من قبل الدولة فحسب بل من قبل الجمهور أيضا. وبالتأكيد
الجمهور ليس بغافل، وليس غبي كما قال للأسف أحد المثقفين، إنه يرى ويسمع ويحلل قدر
إمكاناته، لكنه يشعر بالغبن، وليس العكس، لأن الشريحة المتنورة هاجرت شمالا، إن لم
تكن بأجسادها فبأدمغتها.