أخر المقالات

المؤسسة المدرسية كفضاء مشترك


                                                                               فيليب ميريوه

أقرأ له:  حالات عدم الانتباه  وانهيار المؤسسة المدرسية


فتح المؤسسة المدرسية أمام الجميع ليس اختيارا من بين اختيارات أخرى: إنها الرسالة الفعلية لهذه المؤسسة، إنه المطلب الجوهري لوجودها، وذلك في تناسق تام مع مبدئها التأسيسي. المدرسة التي تقصي ليست مدرسة: فالمدرسة مؤسسة مفتوحة أمام جميع الأطفال، مؤسسة تحرص على عدم تنحية أيا كان، وتوزيع المعارف الواجب تعليمها للجميع. وبدون أي تحفظ.

لهذا فالمدرسة -لأنها للجميع- ليست ملكا لأحد. لا أحد يمكن أن يجعلها حكرا عليه، أو يستحوذ عليها، أو يبسط قانونه عليها، أو لقواعد سلوكه، أو اعتقادات جماعته أو عاداتها.

إننا نتفاهم بشكل جيد: لا يمكن لأحد العيش إن لم يكن جزءا من جماعة يجد فيها التربة الضرورية لنموه. للجماعة شرعيتها لكنها لا تصنع مجتمعا: في الجماعة يلتئم الأفراد بفعل قوى جاذبة، وتتماسك بتمسك كل فرد بما يربط الجميع من قاسم مشترك. في المقابل لا يمكنني أن أقرر، في لحظة، الخروج عن قواعد المجتمع الذي أنتمي إليه: لا يمكن لي اختيار عصيان القانون العام -إلا في حالة مغادرة وطني أو الانعزال بإحدى الجزر. قانون الجماعة هو الذي «يصنع المجتمع»، يسمح للجماعات التعايش بينها في نفس الزمن وبنفس المكان دون أن يعتدي الواحد فيها على الآخر، وأن يحاول كل واحد أن يفرض هيمنته على الآخرين.


إقرأ أيضا:

المـدرسـة، سبـــاق للموانــع

تجديد التأمل التربوي فلسفيا

سيقال بالفعل أن كل مجتمع سيتطلب من كل الأفراد والمجموعات المكونة له الالتزام بالقيم المتعالية. وهذه القيم، بالنسبة لمجتمع ديموقراطي، هي بالضبط ال«قيم المشتركة»، التي يحددها جميع المواطنين باعتبارها موحدة. فهي التي يلتزم بها المواطنون لمساهمتهم في تنصيصها. وهذه القيم المشتركة هي التي تدعم الفضاء العام. وبعبارة أكثر إيجابية: من الضروري ألا يشعر أحدا أنه مقصي، أو أنه مُس في كرامته أو احتقر في هويته وسط الفضاء العام. وبهذا الصدد، ليس الفضاء العام نفي للتاريخ والانخراطات الفردية؛ إنه المكان الممكن لتعايشهم واستمرار المشروع المشترك. والحال أن وجود المجتمع لا يكون بشكل تلقائي: إذ لابد من بنائه. لا فضاء يفرض كفضاء عام فقط لكونه موضوع رهن العامة: إذ لابد أن يُشيد ك«فضاء عام». ولأن من الواجب أن يُستقبل كل واحد بالمدرسة، فمن الواجب عليها بالضرورة أن تُنشأ كفضاء عام. ولا يمكن أن يختزل إلى التعايش، إلى حد ما، السلمي بين الفصائل؛ ولا يمكنه، أيضا، أن يكون مكانا لتفضيل فصيل عن أخريات، سواء أكان فصيل ال«أطفال حصفاء» أم ال«أطفال مفكرين». اللاتي والذين يتمردون اليوم ضد «أوجه القصور» بالمدرسة إنما يفعلون ذلك أحيانا بترويج الحنين إلى «رونق البورجوازية الخفي» وليس بدعوتهم إلى نظام مدرسي ديموقراطي حقيقي، إذ أي فضاء عام بمقدوره فعلا استقبال جميع الأطفال. وباعتبارها مجالا عاما فلا يمكن للمدرسة أن ترضى لنفسها أن تترك لأحد الحق بأن تكون له السلطة. بل عليها تشييد قوانين العمل المميزة. وهذه العملية ذاتها من مكونات هويتها. وهذا الإجراء ذاته هو الذي يتيح تكوين المواطن في الدولة الديموقراطية.


نورالدين البودلالي
بواسطة : نورالدين البودلالي
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-