François Jacquet-Francillon
قراءة الجزء الأول
أولوية المؤلفين
يتعلق
الأمر، في هذا المستوى، وكما أشرتُ أعلاه، بتاريخ مأهول بشخصيات، وبمؤلفين، أو
بالأحرى، «بمؤلفين عظماء». هذه هي، على وجه التحديد، المراجع التي لابد منها –من
مونتيني إلى فرينيه، أو بياجيه...، مرورا بكثير آخرين، منهم «المجددين»، مثل جان
بابتيست دو لاسال أو باستالوتزي، و«المصلحين»، مثل جول سيمون أو فيردينان بويسون،
الخ. هذه الحاجة إلى استحضار هذه الوجوه المرموقة –التي غالبا ما تصبح أسطورية- تفسر
سبب اختتام هذا التاريخ في معرض للصور الشخصية. المهم هو معرفة من الذي أنتج هذا
المذهب، ومن الذي روج لهذا التيار، ومن هو مؤسس هذا المعهد أو مبتكر هذا المنهج.
إن أسئلة الانتماء هذه تؤدي الوظيفة التراثية والحاجة الهوياتية التي تحدثت عنها
اعلاه. وهذا يفترض أن المؤلفين يُعرَّفون بهوياتهم، وأشكال وعيهم و، بطريقة ما،
النوايا، الجلية أو الغامضة، التي تُقرأ في مؤلفاتهم ويوجد صداها في التيارات
الفكرية التي يحييها تلامذتهم أو مريدهم. حينها تأخذ الحدود التي تفصل بين المذاهب
أهمية كبرى: إنها تحصر «أفكارا» معينة في مذهب معين دون غيره، وتضع المؤلفين
والتيارات إما متباعدة أو في صراع متبادل بينها. الجمهوريون ضد الكاثوليك، العلمانيون
ضد رجال الدين، الطرق الجديدة ضد الروتين المتخلف، وما إلى ذلك: جميع هذه
الثنائيات، وغيرها من النمط نفسه، التي تم الحفاظ عليها بصرامة، تُركّز على قوة
التفسير في تاريخ–ذاكرة التربية.
في
المقابل، لا يعرف التاريخ السوسيو والثقافي إلا عددا قليلا من الأبطال. فكما أنه
يفضل تناول الفئات الشعبية أو الجماهيرية بشكل موضوعي، فإنه يستحضر المجهولين وغير
المصنفين، ساعيا إلى وصف تمثلاتهم وسلوكاتهم الجماعية. ومن المعلوم أن هؤلاء لا
يمكن إحالتهم إلى هويات ونوايا ثابتة، من شأنها أن تشكِّل الأفكار والقرارات التي صنعت
منعطفات تاريخية. فحين يعالج ج-ك. كارون العنف في السياقات التربوية خلال القرن
التاسع عشر([1])،
وحين يحلل ج-ف. شانل إنتاج المعايير الثقافية للمدرسة الابتدائية إبان عهد
الجمهورية الثالثة([2])،
وحين يصف ج-ن. لوك ولادة مدرسة الحضانة في إطار أكثر عمومية من الاهتمام بالطفولة
المبكرة([3])،
فهم يتحدثون أيضا عن الأفكار المؤكدة والأحكام
المترددة، وعن المشاريع الدائمة وأيضا عن المبادرات العابرة والمربكة.
بالقيام بذلك، يحصلون على أشكال من الوعي أكثر تقلبا وأنماط من التجارب الأقل
تبلورا، وأضعف رسوخا ضمن الحدود المذهبية، والتي قليلا ما تحيل على المفاهيم المعروضة
في الأدبيات والمنتشرة في البرامج.
البحث عن الأصول
ثم إن التاريخ التقليدي يولي اهتماما مستمرا باللحظات
الأصيلة-الأصيلات للمذاهب والمؤسسات على حد سواء. إنه يتساءل عن أي مؤلِّف، وأي
مؤلَّف، أو أي مبادرة هي في بداية التقليد، ثم تعاود الظهور في الأعمال الأخرى،
المبادرات الأولى، التي تحصل، بعد النشأة الأولى، على إرث وتصبح جزئا في البنوة. هذا
السؤال يستدعي دائما سؤالا آخرَ، وذلك لمعرفة أي مؤلف أو أي فكرة لمؤلف تمارس،
انطلاقا من هذه اللحظة الأصلية، تأثيرا، في مختلف العصور، على المفاهيم أو على
مبادرات التابعين، سواء أكانوا أفرادا أو جماعات خاصة. فالأصل والنسب والتأثير، هي
التصنيفات الثلاثة الكبرى المنظمة للتاريخ التراثي. نذكر هنا أننا مدينون لفوكو
بتحليل نقدي حاسم لهذه المفاهيم في مؤلفه الابستيمولوجي، أركيولوجيا المعرفة([4])،
الصادر سنة 1970.
إن الأولوية الممنوحة لمسألة الأصل توجه اختيار المصادر
وأيضا طرق تحقيب الظواهر. ويتوافق التاريخ التقليدي مع كرونولوجيا مبنية على
الأحداث، تكون في غالب الأحيان سياسية. فهي تتموضع، على سبيل المثال، «من غيزو إلى
ج. فيري»، وتندرج ضمن «لحظة جمهورية»، وما إلى ذلك، (مما يعزز الترابط بين تاريخ
الأفكار وتاريخ المؤسسات). والنزوع إلى الأصل يعطي ثقلا للوقائع، أكانت سياسية، أم
اجتماعية أم ثقافية...؛ مع العلم أن الحدث يولد لزمنية مستمرة، تلك التي فتحها
والتي، بطريقة ما، لن يكون من الممكن التفكير فيها إلا من خلاله.
بناءً على ما سبق، من الممكن التساؤل عما إذا كان النجاح
نظرية «الشكل المدرسي» لغ. فانسون، ، في علوم التربية، على الأقل في صيغتها الأولى
سنة 1981 («الشكل المدرسي للتنشئة الاجتماعية» حسب التعبير الأصلي للكاتب)، لا
يعود لهذا الصدى الذي يحدثه هذا الانتقاء المزدوج لتاريخ الأفكار –الأسبقية
الممنوحة للمؤسسين ولحساسية الأصل. تبدو هذه النظرية بالفعل جد مناسبة لهذه
الاهتمامات المتعلقة بالتاريخ التراثي: الرواد، هم في هذه الحالة جان بابتيست
لاصال وإخوان المدارس المسيحية، والأصل، وهو التعليم المتزامن (نمط العلاقة غير
الشخصية التي تتطلب احترام القواعد وليس الخضوع لشخصية المعلم). هذا التعليم، المبني
والمنتشر كمذهب خاص، سيؤثر على المستجدات اللاحقة.
لقد أثارت التوجهات والخطوات الكلاسيكية لتاريخ الأفكار
العديد من القضايا، سواء منها النظرية، والمنهجية والتاريخية. لم تكن النقاشات
قليلة، بدءا من الرعيل الأول من مدرسة الحوليات ومنهم أولئك الذين، كفيفر، كانوا
يتمنون كتابة تاريخ فكري يُعاد إدراجه في إطار تاريخ اجتماعي (أنظر كتابه الأساسي
حول رابليه)، أو فيما بعد، حين أدى تاريخ العقليات إلى بحوث مميزة مثل بحوث ر.
ماندرو حول الثقافة الشعبية في القرنين 17 و18، أو عمل ب. أرييس حول الطفولة
والأسرة خلال العهد القديم. من المثير للاهتمام أيضا معرفة أن فوكو، الذي سبقت
الإشارة إليه أعلاه، قد وجه انتقادات لكل من تاريخ الأفكار وتاريخ العقليات، الذي
تحرر منها رغم ذلك.
ما دمنا نصرف النظر عن المؤلفين وعن هوياتهم لصالح الجماعات
والمجموعات، فإننا نتعامل بالدرجة أولى مع معطيات موضوعية والقابلة للقياس،
وبالتالي مع سلسلات تدخل، في الغالب، ضمن مُددٍ زمنية أكثر طولا، دون التركيز على الأصول
أو الأحداث ذات المعنى. هكذا تتبع كل من فوريه وأوزوف، اعتمادا على سجلات توقيعات عقود
الزواج، مسار التقدم في محو الأمية ابتداءً من القرن 17، وتتبعا نسب الساكنة الملمّين
باللغة المكتوبة([5])
في مختلف المراحل إلى حدود القرن 19. وبما أن محو الأمية ليست عملية يمكن مطابقتها
تماما بالتعليم، فعلينا الإقرار بأن المؤسسات المدرسية والتوجهات البيداغوجية تواكبان
التحولات الجارية أكثر مما تثيرها، مما يستلزم فعليا طريقة مغايرة في تحليل
التكوين ويحددان فترات تطورها([6]).
تابع: تاجزء الأخير
[1] - Caron 1999.
[2] - Chanet 1996.
[3] - Luc 1997.
[4] - Foucault 1970.
[5] -
في الواقع، إنهما يعالجان أيضًا البيانات التي كان قد
جمعها قبلهم بقرن من الزمان المفتش الأكاديمي ماجيولو، الذي كلفته وزارة التعليم
العام بمهمة رسمية، فطلب من أكثر من 15000 معلم في عدد كبير من المقاطعات أن
يذهبوا إلى سجلات الأحوال المدنية في بلدياتهم (سجلات الكنيسية قبل الثورة)،
وإجراء مسح للتوقيعات.
[6] - لنذكِّر بالنتائج المعروفة جيدًا لهذه الدراسات: كان جزء من
الفرنسيين يعرف القراءة منذ زمن بعيد في عهد ج. فيري (في عهد لويس الرابع عشر، كان
ثلث الفرنسيين وثلث الفرنسيات يعرفون القراءة؛ ثم قبيل الثورة، كان رجل من كل
اثنين وامرأة من كل أربع يعرفون القراءة)؛ لفترة
طويلة، لم يتم تدريب النساء والرجال على قدم المساواة في هذا التيار من التثاقف
(بين النساء، كان معرفة القراءة هي السائدة فقط)؛ وملاحظة أن فرنسا كانت مقسمة = إلى
قسمين، أحدهما متعلم جيدًا، شمال خط سان مالو – جنيف، والآخر، ضعيف المتعلم،
متأخر، أبطأ، جنوب هذا الخط، هذه الملاحظة، التي سبق أن أبداها المفتش ماجيولو في
عهد الجمهورية الثالثة، كانت صحيحة ولكنها كانت بحاجة أن يتم تدقيقها بمختلف أنواع
البيانات الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية.