أخر المقالات

تاريخ التربية والتعليم داخل العلوم التربوية وخارجها (الجزء 1)

 


François Jacquet-Francillon 

 فيما نشر سابقا بالمدونة مف قد يفيدكم، تجولوا في المدونة

تنوع المقاربات

أولا، لابد من تسجيل ملاحظة. منذ زمن طويل، كان هناك تريخ قديم متداول بشكل أساسي (ولا أقول في كليته) في علوم التربية. هو تاريخ قائم على رهان ذي طابع تراثي، وذلك لأن من وظيفته إنتاج والحفاظ على الذاكرة الجماعية للمدرسين والمؤسسة المدرسية نفسها. هذا التاريخ شبه «الهوياتي» قد كان قديما ذا قيمة عالية في المدارس العليا للمعلمين، خصوصا إبان الجمهورية الثالثة؛ وهو معروض بشكل جد جيد، على سبيل المثال، في المتحف الوطني للتربية بروان، كما في العديد من المتاحف المحلية، التي أخذت تبزغ، هنا وهناك، في هذه السنوات الأخيرة...

التاريخ التقليدي (يُستعمل هذا النعت دون أي دلالة تبخيسية) للتربية وللتعليم له مواضيع مفضلة تحدِّد مجالين رئيسيين للاهتمام: من ناحية النظريات التربوية ومن ناحية أخرى المؤسسات الدراسية –أي الإصلاحات التي تُنشئها، والنقاشات التي تثيرها، والقوانين التي تحددها، وغيره.

لقد تشكل تاريخ النظريات التربوية في القرن التاسع عشر، متخلفا عن ألمانيا في هذا المجال، مع صدور كتاب التاريخ النقدي للمذاهب التربوية في فرنسا لصاحبه ج. كومبايري([1])، وبعده مع قاموس البيداغوجيا والتعليم الابتدائي، لصاحبه ف. بويسون([2])، الذي يتضمن العديد من المواد ذات الطابع التاريخي –التي أصبح بعضها مصادر قيِّمة للغاية حتى عندما تم حجب المصادر الأصلية. أذكر أيضا المؤلَّف الأقل شهرة لصاحبه ج. باروز، التاريخ العالمي للبيداغوجية([3])، وهو ربما الأول من نوعه (دون إغفال الإشارة إلى ما يورده هذا المجلد من وصف للزيارة الممتعة إلى المدرسة الإصلاحية التجريبية  Philanthropin de Basedow، في ديسو Dessau). ويمكننا أيضا قراءة كتاب ج. لييف وغ. روستان، الأكثر حداثة، البيداغوجيا العامة من خلال دراسة المذاهب التربوية([4]).

يتضمن تاريخ المذاهب عناوين إلزامية مألوفة جدا لدينا. نجد فيه في الغالب مؤلفين ومؤلفات خالدة: هؤلاء هم «كبار المربين» ومؤلفاتهم الجليلة. لكننا نكتشف فيها كذلك «تيارات» -أي منظومات فكرية موحدة وخاصة بوسط، وجماعة، ببلاد، أو بفترة أو غير ذلك. نذكر هنا كتاب ل. لوغران حول تأثير المذهب الوضعي في العمل المدرسي لجول فيري([5])؛ أو الكتاب الحديث تاريخ البيداغوجيا من القرن 17 إلى يومنا هذا([6])، الذي أشرف عليه غ. أفانزيني –أو على الأقل بعض المساهمات منه. وإنه من المشروع، بكل تأكيد، أن نضيف إلى هذه المراجع بعض الأعمال الراهنة التي، دائما في إطار علوم التربية، تتسم بطابع أقل كلاسيكية وتشكل مساهمات ذات أثر على تفكيرنا. ينطبق هذا على مؤلَّفٍ أنجزه فريق من باريس 8 بالاشتراك مع أ. سافوي (المعلنين انتماؤهم لإلى «التاريخ الاجتماعي»)، وذلك حول التربية الجديدة، التاريخ، الحضور والآفاق([7]). وفي نفس الاتجاه، مكّن العمل الذي أشرف عليه د. دينيس وب. كاهن، حول قاموس ف. بويسون([8]) من إعادة الإمساك، إن لم يكن بعقيدة جمهورية للمدرسة والبيداغوجية، فعلى الأقل بـ«لحظة» فكرية مميزة في تطور المدرسة الجمهورية.

الميدان الثاني الذي أشرت إليه هو تاريخ المؤسسات، الذي يرتبط في الغالب بتاريخ الفاعلين الذين يحيون هذه المؤسسات ويطورونها. من الممكن الرجوع هنا إلى مؤلفات الجيل السابق مثل تاريخ المؤسسات التعليمية لكل من ج. لييف وغ، روستان([9]). أكثر من ذلك، لم يتم استبعاد ما يسمى بالتأريخ الجمهوري، لأسباب سياسية سيفهمها الجميع. ويتبادر إلى الذهن مجلدَا أ. ليو وأ. غلاي: المدرسة الابتدائية في فرنسا([10]). إنه نهج اتبعهمؤخرا، وبنجاح، ك. لوليفيير([11]).

من الواضح أن هذا الطرح التاريخي يستند إلى أعمال مؤرخين لا ينتمون مباشرة إلى علوم التربية، غير أن لهم صلات واهتمامات مؤكدة، أو أنه يتعايش أكثر مع الصيغة السابقة. ويأتي أ. بروست على رأس هؤلاء المؤرخين، بطبيعة الحال، منذ إصداره لمؤلفه سنة 1968 (التعليم في فرنسا، 1800-1967([12]))، الذي لا يزال جديرا القراءة، حتى وإن استحق المشروع التحيين من جديد من خلال المعارف الحالية، الأكثر تطورا. ويعرف المتخصصون أيضا المساهمات المذهلة لمؤلفين قدامى مثل م. غونتار أو ف. بونتيل وغيرهما.

وبما أن هذه العلامات قد وضعت هنا لتحديد خطوط القوة دون ادعاء الشمولية، أود مساءلة خصوصيات الإعداد المذكور. للقيام بذلك، من المستحسن –والمعقول- تمييز هذا التاريخ التقليدي والتراثي عن التاريخ الأكثر علمية الذي تتم ممارسته أو تفترض ممارسته فيما يسميه ف. فوريه مختبر التاريخ، والذي منح خلال هذه السنوات الأخيرة معطيات أصيلة حول مواضيع تربوية وتعليمية مختلفة. أحجم عن ترتيب أو المقارنة بين النوعين. لست هنا، ولا أنا مؤهل، لأوزع أحكاما بالاستحسان أو الاستهجان. التاريخ التقليدي، وقد صيغ بإتقان، يظل نافعا دائما؛ وإنما قصدي أن اقترح تعريفات لمواضيعه و، أكثر من ذلك، لقضاياه.

للإحاطة بالتقدم الذي أحرزته المعرفة التاريخية خارج الإطار الضيق للعلوم التربوية، يمكننا الرجوع إلى الورقة الإجمالية التي نشرتها م.-م. مومبير وب. سافوا في المجلة الفرنسية للبيداغوجية([13]). إذا كان ضروريا الإشارة إلى مرجع أو مرجعين فقط من بين ما صدر على مدار الثلاثين عاما الماضية، فإنه سيكون من دون شك العمل الهام للغاية لف. فور وت. أزوف حول محو الأمية لدى الفرنسيين([14])، ومرجع ر. شارتييه وَ م.-م. كومبير وَ د. جوليا حول التربية من القرن 16 إلى القرن 18([15]). يلتقي هاذان المؤلَّفان، من بين مؤلفات أخرى، في معالجتهما لظاهرات محو الأمية والتمدرس –الابتدائي أو إعدادي النظام القديم. فهما يتناولان الظواهر الاجتماعية والثقافية، على غرار ما يقوم به تاريخ العقليات في أماكن أخرى، في أعقاب التاريخ الاقتصادي والاجتماعي المرتبط بمدرسة الحوليات. فما الفرق الذي يمكننا رصده إذن بين هذه المقاربة والمقاربة التي وصفتها بالتراثية (إذا قبلنا، مرة أخرى، بهذه الثنائية التبسيطية المفرطة من دون شك)؟

تاريخ التربية التقليدي، باعتباره تاريخ المذاهب والمؤسسات التربوية، هو أولا وقبل كل شيء تاريخ الأفكار؛ أو على الأقل لا يجد رهاناته الكبرى إلا في تاريخ الأفكار. المقاربة كلاسيكية، إنها صنيعة القرن 19 والتاريخ الأدبي (الذي فرض نفسه كتخصص معرفي في المدارس الثانوية). فبارتكازها على المؤلفين والمؤلفات، تحبذ أيضا الخطابات التي تحظى بتقدير كبير، تلك التي يُنسب إليها الفضل الكبير في التماسك والعقلانية، عكس المقاربات الأخريات التي لا تظهر إلا في أعماق الذاكرة والأرشيف.



[1] - Compayré 1879.

[2] - Buisson 1878-1887, seconde édition en 1911.

[3] - Paroz 1868.

[4] - Leif & Rustin 1953

[5] - Legrand 1961.

[6] - Avanzini 1981.

[7] - Ohayon et al. 2004.

[8]- Denis & Kahn 2003.

[9] - Leif & Rustin 1954.

[10] - Léaud & Glay 1934.

[11] - Lelièvre 1990.

[12] - Prost 1968.

[13] - Compère & Savoie 2005.

[14] - Furet & Ozouf 1977.

[15] - Chartier et al. 1976.

نورالدين البودلالي
بواسطة : نورالدين البودلالي
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-