Scarlett Marton
ظل
الفلاسفة، لزمن طويل، يتجاهلون الفوارق الجنسية، وغير معتبريها موضوعا للدراسة.
لذلك، عندما تمت الدعوة إلى التمييز بين المذكر والأنثى، دشن نيتشه طريقة للتفكير
في العلاقات الإنسانية التي يمكن اعتبارها، إلى حد ما، جنسانية.
صحيح
أن في زمانه ناصر بعض المفكرين حركة تحرير المرأة. نذكر من بينهم جون ستيوارت ميل،
الذي كتب نصوصا، يعرفها نيتشه جيدا، مؤيدة لتحرر النساء. لكن وعلى عكس ميل، خاض
نيتشه حربا على حركة التحرر النسوية، عُرفت بكونها شرسة.
تتضمن
كتاباته على كثير من الملاحظات المتعلقة بالنساء: بعضها صورا نمطية، والبعض الآخر تحليلها
معقد ودقيق للحالة الإنسانية من خلال منظور الجنس؛ إنها تشير إلى الوضعية النسائية
من خلال استطرادات متناثرة وفي فقرات مدعمة بالحجج. لم تكن تأملاته حول هذا
الموضوع هامشية ضمن إنتاجه الفكري؛ لا يمكن اختزالها في تفضيلات شخصية ولا حتى في تيهان
عرضي. بل على العكس تماما، في كتابي الأخير تأرجحات نيتشه بين نقيضين. الأنواع
والصور والأوجه النسائية سأدافع عن فكرة أنها تدخل كلية في إطار مشروعه
الفلسفي.
باستثناء
نصوصه الأولى، تحضر اعتبارات نيتشه بشأن المرأة في أماكن عديدة من أعماله. إنها
توجد، مثلا، في عدد من الأقوال المأثورة aphorismes حول الإنسانية، الأكثر إنسانية، الواردة ضمن سلسلةِ فقراتٍ من الكتاب
الثاني العلم المرح، في عدد من خطابات هكذا تكلم زرادشت، في مجموعة
من الفقرات من ما وراء الخير والشر وفي عدد من المقاطع من أفول الأصنام.
وباعتبار الموضوع المعالج الذي تم اختياره هنا، سأركز اهتمامي خصوصا على مقاطع من ما
وراء الخير والشر، حيث يهاجم نيتشه النساء اللاتي يسعيْن ليصبحن مستقلات.
مبارزة مستحيلة
في
الفقرة 238 من هذا الكتاب، يؤكد نيتشه وجود «أشد العداوة غورا» بين الرجل والمرأة.
«سوء الفهم هذا للمسألة الأساسية المتعلقة ب"الرجل والمرأة"، وإنكار
العداوة الأشد بغضا وضرورةَ وجود توتر غير القابل للاختزال، والحلم ربما بحقوق
متساوية، بتربية متساوية، بامتيازات وواجبات متساوية: هذه علامة نموذجية من
الابتذال الفكري».
هذا
الاعتبار قد يشير ضمنيا إلى أن الرجل والمرأة تربطهما علاقة عدائية. إنه يرى أن تصور
الوجود كمبارزة تنافسية شرط ضروري لما هو نبيل. لكن نيتشه، ومنذ نصوصه الأولى،
يؤكد أنه من غير الممكن أن يكون هناك صراع حين يتم احتقار الخصم، ولا يوجد سبب
للصراع عندما تتم السيطرة على الخصم. مما يستتبع، بالنسبة للفيلسوف، أن العلاقة
بين الرجل والمرأة لا يمكن تصورها كمواجهة بين موقفين يستبعد الواحد منهما الآخر.
ذلك أن الصراع يجب أن يكون دوما بين النظراء inter pares.
كيف
نفهم إذن «العداوة الأشد بغضا وضرورة التوتر غير القابل للاختزال» بين الرجل
والمرأة؟ كيف يمكن تصور الطابع العدائي لمثل هذه العلاقة؟
«اعتبار المرأة ملكا»
يمكننا
منذ الوهلة الأولى افتراض أن نينشه يحرض النساء على تحدي الرجال في مبارزة، بحيث
أنه يرغب في ألّا يتصرفن كالرجال، لكن شرط ألّا يسمحن لأنفسهن بالخضوع لهم. ومع
ذلك، عند تحديد الطريقة التي ينبغي النظر بها إلى المرأة، يؤكد أن رجلا أصيلا،
خيرا، صارما ومتشددا «لا يمكنه أبدا التفكير في المرأة إلا بالطريقة الشرقية: عليه
تصور المرأة كمملوكة، كممتلك عليه تخزينه، كشيء مقدر عليه أن يخدمه وفي هذا يتحقق
اكتماله». وعلى العموم، سيتصور رجل كهذا المرأة على أنها مقدر عليها خدمته. وبذلك،
لا يتردد نيتشه في أن يبرُز كمناهض للحركة التحررية النسائية التي كانت موجودة
آنذاك في زمانه.
على
كل حال تجب الإشارة أن، من خلال كتاباته، لا يتوجه الفيلسوف بالخطاب إلى النساء.
إنه يتوجه إلى الرجال و، على الخصوص، إلى الرجال الذين، مثله، يفكرون في وضعية
النساء، ويشرح لهم كيفية التعامل معهن. وفي هذا، يتطلب المقطع المقتبس اهتمامنا.
من خلال تصور المرأة على الـ«طريقة الشرقية»، يحبذ نيتشه «الفكر الأسيوي الرائع» و
ينأى بنفسه عن تاريخ الفلسفة الأوروبية. حين يتوجه نحو نظرائه، يمجد «تفوق الغريزة
الأسيوية» ويحارب بذلك الفلسفة الغربية التي اتخذت دوما نموذجا لها الإنسان
الأوروبي. وحين يتعلق الأمر بمعرفة كيفية التعامل مع النساء، يتمسك نيتشه بتشجيع
نظرائه على التصرف بطريقة مشابهة لطريقة الرجل الأسيوي.
إن
المجتمع الأوروبي، في المنظور النيتشوي، يعتبر، ومنذ الثورة الفرنسية، أن من
الأخلاق إخضاع الفرد للمصلحة العامة. إنه (المجتمع)، وهو منحط، يعلن أن سعادته
تكمن في أن يكون في خدمة الجميع، من خلال حذف الشخصية المتفردة متحولة إلى مجرد
عضو في «الكتلة الاجتماعية». لهذا السبب يُعزز المجتمع ظهور الحركات كحركة تحرر
المرأة –التي تمرد عليها الفيلسوف.
تحرر «منحط»
يرى
نيتشه أن تأثير المرأة قد تضاءل في أوروبا بقدر ما زادت حقوقها. ليس صدفةً،
بالنسبة إليه، إن ارتكبت النساء، اللائي يردن مساواة الرجال، خطأ في التقدير. وهن
يسعين للحصول على الحقوق، يقلصن من مجال تأثيرهن. ذلك أنه حين ترتبط الحقوق
بالمجتمع الذي ينشأ عقب الثورة الفرنسية، يتعلق التأثير بالمجتمع الذي كان قائما
قبله.
يعتقد نيتشه بأنه على عكس المنظمات الاجتماعية القائمة على
فكرة التسلسل الهرمي، على غرار المجتمعات الأسيوية، واليونانية القديمة أو
الفرنسية خلال النظام القديم، يتوجه المجتمع الأوروبي لعصره بشكل متسارع نحو
التوحد. لذلك فهو يدين ميول أوروبا المعاصرة نحو التساوي: «لم يتعامل الرجال، في
أي زمان، مع الجنس اللطيف بهذا القدر من الاهتمام كما هو الحال في زماننا –هذه سمة
متميزة للميول والذوق الأساسية للديموقراطية».
يرى
نيتشه أنه يؤيد النساء من خلال تحذيرهن بكون التحرر الذي يأملن فيه يساهم في إضعاف
خصائصهن وخصوصيتهن. من الممكن الدفع بالحجة كونهن، بالفعل، وهن يطالبن بالمساواة
في الحقوق منذ الثورة الفرنسية، تعتقدن أن المجتمع الصناعي لا يمارس أي تمييز بين
الجنسين. لكنهن مخطئات، حين يتصورن، بالاعتماد على فكرة الكونية المجردة، أن هذا
المجتمع يعتبر كل المواطنين عمالا ومستهلكين على نحو غير متمايز.
تلاحظ
النساء –كما أثبته جونيفييف فريس وميشيل بيرو- أن المجتمع الصناعي، مستندا على الفصلٍ
صارم بين إنتاج السلع وإدارة المنزل، يحافظ على كيانه بفضل الأنشطة الموكلة
للمرأة، بدءًا من المهام البيتية، انطلاقا من توليد الأطفال ورعايتهم، وانتهاءً
بالدعم المقدم للرجال. لكنهن، ولأنهن مقتنعات بأن «الحرية، العدالة والأخوة» تهم
كل الكائنات البشرية، فهن بدورهن تطالبن بالتساوي في الحقوق. مرة أخرى يخطأن حين
يفترضن أن شعار الثورة ينطبق عليهن أيضا. فتدرك النساء، بذلك، البون الشاسع بين
الخطاب والواقع: إذ المبادئ الثورية المرصِّعة للإعلان عن حقوق الإنسان والمواطن
لا تتجاوز حدود الذكورة.
لقد
تم، من المنظور النيتشوي، المتحمس للثورة الفرنسية، إضعاف المرأة. يتولد عن ذلك أن
«هناك غباوة في هذه الحركة» التحررية للمرأة. فالنساء الراغبات في مساواة الرجل، انخرطن
في تعلم القراءة والكتابة مُتخلِّيات بذلك عن «تواضع جميل وماكر». وشككن في رؤى
مثالية وقوّضن الاعتقاد الذكوري في «أنثوية أزلية». يرفضهن التصرف كـ«حيوان أليف
حساس للغاية، متوحش بشكل غريب وممتع في كثير من الأحيان» يثنين على الذكور لكونهم يعاملهن
بعناية ولحمايتهم لهن. هكذا يتخلَّين عن الأسلحة التي سمحت لهن بتحقيق العديد من الانتصارات.
لكن ينبغي التشديد على أنها بالضبط الأسلحة التي تُنسب، بصفة عامة، إلى الضعفاء. وباللجوء
إلى الصور النمطية المتعلقة بالمرأة، عمل نيتشه على إدانة ما يراه، من وجهة نظره،
يشكل استراتيجية للسيطرة النسوية. فمن خلال التأكيد على مكرهن وقدرتهن على الغواية
وبرؤيتهن بارعات في فن المناورة، يكون متواطئا في التقليل من قيمتهن التي كُنّ
هدفا له لعدة قرون.
تبيح
لي العناصر المجمعة هنا باستخلاص أنه، إن كان نيتشه قد انتقد النساء لمطالبتهن
القوية المساواة في الحقوق، فهو غير مستعد للنضال ضد ما يدفعهن للمطالبة بها ولا
ضد ما يمنعهن للحصول عليها. على العكس تماما، فهو بتمجيده للصورة التقليدية
للمرأة، لا يتردد في خوض حرب دون هوادة ضد حركة التحرر النسائية.
المصدر
https://theconversation.com/nietzsche-fervent-opposant-a-lemancipation-de-la-femme-202655?utm_source=facebook&utm_medium=bylinefacebookbutton&fbclid=IwAR2HSJu3ZT1-1kfDA3xY0SOxj3m_1O_mb5k8_4FxAxvRPzNPup_9JE6BePU