أخر المقالات

هبرماس وموضوع النقاش





Laurent Jaffro
إن أخلاق الحوار، والتي بلورها كل من كارل أوتو أبل ويورغن هابرماس منذ سنوات السبعينات انطلاقا من مصادر متعددة وقديمة، قد تم نشرها على نطاق واسع في أشكال مبسطة إلى حد ما. بعض الانفتاح الحاضر بقوة في وسائل الاعلام يخلطه مع البحث ليحصل على توافق بينهما بأي ثمن. ثم إن نسخة باهتة عن أخلاقيات النقاش، ومدح جميع جولات ال«حوار»، تتمتع هي الأخرى بشعبية في السياسة المحترفة وفي العالم التربوي. تظهر هذه النظرية، التي قدمت بشكل أكثر دقة، أن ما يسمى بحجة السلطة هو غير مقبول وأن المرء لا يستطيع قبول قيمة لا تقبل الخضوع للنقاش. إلا أن نجاح هذه النظرية لا يجب أن يغنينا عن دراسة الطريقة التي صاغها بها أصحابها في الأصل ولفتِ الانتباه إلى صعوباتها.  
أسعى منم خلال هذه الورقة لدراسة بعض المظاهر الخلقية لأخلاق النقاش. هذا يعني وجود ميل، لدى الداعين إليها، لتقديم الوعظ والحصول على محاورين، وكذا قراءة، ليست فقط فهما نقديا، بل اعتراف. وإن اخترت كميدان للبحث عمل هابرماس وليس عمل كارل أوتو أبل، فلأنه يبدو لي أن الأول ميزته كونه أولى اهتماما خاصا باستباق هذا النوع من النقد؛ ثم إنه يدرك جيدا الخطورة أو الغرور بإمكانية بلورة نظرية قد يبدو أن طموحها الرئيسي جعل الأخلاق ضرورية. ومن أجل هذا سأبدأ بتركيب إجمالي لتطور أخلاق النقاش؛ ثم، وأنها الحجر الأساس، سأفحص الطريقة التي تصور بها هابرماس سيرورة عملية التفرد وما يعنيه، بالنسبة إليه، الفرد.

أخلاقيات النقاش: مشروع تبريري

لب أخلاقيات النقاش ينكشف في سياق محدد. القارئ لكتاب الأخلاق والتواصل سيلاحظ أن المجال الطبيعي لصياغة هذه النظرية هو حوار افتراضي بين الداعي إليه والمتشكك فيه الذي يعارضه([1]). ومع ذلك فإنه يؤدي إلى مبدأ يتعلق بالتواصل المبرر بشكل عام. من الواضح أن سياق هذا الحوار المختلق بين الفلاسفة بعيد كل البعد عن الحياة الأخلاقية العامة. حقيقة لا يمكن انتقاد هابرماس، حيث أنه يؤكد أن أخلاقيات النقاش لا تبدو كبديل عن «الحدسيات الأخلاقية اليومية» وأن المسائل الأخلاقية لا تقتصر فقط على المسألة النظرية المرتبطة بصلاحية القيم. الوظيفة المركزية لأخلاقيات النقاش هي وظيفة الاختبار الحواري الذي يفحص القيم التي لا يبتكرها. فالقيم موجودة قبلا، في العالم المعاش.
من هنا يأتي التمييز بين وجود القيم وتبريرها. أخلاقيات النقاش هي بالأساس مشروع تبريري. ومع ذلك فإن هابرماس يلح على حقيقة أن المرء لا يمكنه الذهاب بعيدا في التفريق بين وجود القيم وتبريرها. وبالفعل، «القيمة الاجتماعية لقيمة ما تعتمد على حقيقة أنها مقبولة داخل محيط من تتوجه إليهم»([2]).  يقترن الوجود الاجتماعي لقيمة ما بالحد الأدنى من اعتراف الأفراد؛ في هذه الحالة، وبما أن هذا الاعتراف مرتبط دوما بأفق إثبات صلاحيتها، فالوجود الاجتماعي للقيمة يستدعي تبريرها.
ولأن أخلاقيات النقاش توفر أسباب قبول بعض القيم، فإنها تلبي متطلب اجتماعي. إنها توفر معيارا لتحديد ما إذا كانت قيمة ما صالحة وتجعل من الممكن نقد القواعد [القوانين] العامة. هذا المعيار هو مبدأ «ع» (بالنسبة ل«جعله عالميا»): «كل قيمة صالحة عليها أن تلبي شرط كون العواقب والآثار الجانبية التي (يمكن التنبؤ بها) تنتج عن حقيقة أن القيمة قد تم ملاحظتها عالميا بهدف تحقيق مصالح كل شخص يمكنها قبولها من قبل الأشخاص المعنيين.»([3]). يسمح مبدأ العالمية بالفرز بين القيم المقترحة. يمكن القول، بصفة تقريبية، أنه يعيد صياغة الضرورة الحتمية ويدمج بها اعتبار عواقب الفعل. لكن من الضروري الإشارة  إلى أنه في حالة ما إذا كان من الضروري أن يطابق الفعل قيمة تلبي هذا الشرط، فسيتم تأجيله بشكل حتمي. تحقيق هذا الشرط يفترض وجود أفراد لهم القدرة على المواجهة البينة لكل عواقب الملاحظة العالمية للقيمة. حصر اعتبار العواقب في تلك ال«متوقعة» لا يحل المشكل، لكنه يفترض حله. السؤال «ماذا يجب علي فعله؟» يتم تشويشه عليه بالسؤال «ماذا سنخسر؟». وبما أن المبدأ المقترح من قبل هابرماس يشكل، بدل ذلك، نموذجا تنظيميا، فهو يمنحنا في أفضل الأحوال فكرة عن ما هي القيمة الصالحة، لكنه لا يدعي توفير الدافع المحدد بشكل مباشر للإرادة. من هنا، وعلى عكس الفلسفة العملية الكانطية، فإن أخلاق النقاش ليست صياغة للأخلاق العامة، وإنما إجراء من الدرجة الثانية يسمح بالتقييم البعدي لثوابت العمل و، بشكل أعم، إقامة نظرية نقدية للمجتمع.
بيد أن المساهمة الأساسية لأخلاقيات النقاش ليست في صياغة مبدأ «ع»، بل في الكشف عن أسس هذا المبدأ. ما يعنيه هابرماس هنا من خلال ال«أساس» هو، في نفس الآن، الأساس العقلي [في العقل]، أي المبرر، وعملية تجريبية أو تفعيل عملي. يتم تقديم هذا الأساس مع مبدأ «ن» (تمثيلا ل«نقاش»): «لا يمكن لقيمة أن تدعي صلاحيتها إلا إذا كان كل الأشخاص الذين قد تهمهم متفقين حولها (أو قد يكونوا كذلك) كمشاركين في نقاش عملي حول صلاحية هذه القيمة.»([4]). يعني هذا أن مبدأ «ع» لا يمكن أن يفهم ك«حوار داخلي» يقوم به فرد يسائل نفسه بشكل منفرد إن كانت قيمة بعينها تستحق المتابعة؛ على العكس «المطلوب هو حجة "حقيقية" يشارك فيها، بشكل تعاوني، الأشخاص المعنيون» ([5]). إن الممارسة الفعلية للحوار هي وحدها التي تسمح التأسيس بالعقل.
ممارسة فعلية هي مطلوبة لكون هابرماس، وعلى خطى كارل أوتو آبل، يقصد ب«التأسيس لأسباب قيمية» برهنة افتراضاتهم البراغماتية الضرورية. إن الممارسة البسيطة للحوار تفترض لذاتها وأيا كانت الأطروحات التي ينطلق منها المحاورون (وبالأخص كيفما كان تصورهم للحياة الطيبة) صلاحية مجموعة من القيم. فالقاعدة (1) التي بموجبها يمكن لكل فرد قادر أن يشارك في النقاش، ولا أحد مقصي بشكل مسبق؛ والقاعدة (2) التي بموجبها يمكن أيضا لكل المتحاورين أن يقيم، أو يقبل أو يدرس كل تأكيد؛ والقاعدة (3) التي بموجبها لا يمكن لكل سلطة أو جهة ضاغطة أن تعلق تطبيق القواعد السابقة، هي قواعد من   المحتمل أن تشكل قيما بعينها، مادامت شروط التواصل عليها أن تكون دوما متجاوبة مع هذا التطبيق. ويبدو، من خلال هذه القواعد، أن لممارسة النقاش افتراضات معيارية. سيكون من الضروري عندها استنتاج المبدأ «ع» من هذه الافتراضات([6]). والطريقة التي تظهر بها أخلاقيات النقاش أن محاورا لا يقدر على نكران بعض قيم النقاش دون مكابدة هي معروفة حق المعرفة: إنها إحدى أشكال للحجج التقليدية الغير عقلانية.
فيما سيتبع ملاحظات من أجل إقامة أخلاق للنقاش، يلتزم هابرماس بمباشرة فعلية لهذا الحوار. قارئه لا يمكنه أن يخفي دهشته، إذ أن هذه الخطوة تتجسد في فتح نقاش بين المعرفي (هابرماس نفسه) والمتشكك المفترض، حيث أن هذا الأخير هو صوت أو شخصية تتمظهر تحت قلم الكاتب. هذا النقاش يمثل المرحلة الأساسية من العملية، لأنه هو وحده الذي يسمح ب« تحديد الفرضيات البرغماتية لمجمل البراهين الضرورية والتي تكون محتوياتها معيارية»([7]). وانخرط آنذاك هابرماس في عملية توليدية ذات النزعة التشككية التي تقر بوجود افتراضات النقاش وطابعها المعياري. المتشكك، المتعصب، الذي يمتنع بصلابة عن قبول هذه القيم سيجد نفسه بين فكي «تناقض أدائي»، حيث يتناقض مضمون بيانه مع الافتراضات المسبقة للممارسة الفعلية لعملية التواصل التي يوافق عليها. في هذه يتبقى أمامه حلين: الصمت المطبق أو الاعتراف الكامل. هذا النقاش الافتراضي يعيد مقاطع معروفة جدا في الأدبيات الفلسفية، بما في ذلك على الخصوص الاعتراضات التقليدية لتياري كل من بيرو وأبيقور من قبل معارضيهم، خاصة منهم الرواقيين([8]). لكن، وحيث أن التقليد ممارسة محلية ونقدا للحجة المتناقضة للمتشككين و الأبيقوريين، ترى فيها أخلاق النقاش دليلا إيجابيا على عالمية قيم معينة.
من ثمة يعتقد هابرماس أن تشككا لاحقا لابد من التخلص منه إذا ما بلغ درجة التنصل من «الأخلاق الاجتماعية المرتبطة بالعلاقات المُعاشة التي يبقى مرهونا بها يوميا»([9]). الحياة البسيطة للمتشكك ومساهمته اليومية في النشاط التواصلي والأخلاقية Sittlichkeit تمنعه من إنكار بعض الافتراضات المعيارية. في هذه المرحلة قد نعتقد أن بعض الشك الملطف قد يكون ممكنا. لا يوجد شيء من هذا. ذلك أن افتراضات الحياة الاجتماعية اليومية «تتطابق (جزئيا على الأقل) مع افتراضات الحجج المقدمة بصفة عامة»([10]). بعبارة أخرى، فنظرية الشك الملطف، التي يفضلها هيوم، حيث يكون الشك خاصا بالمعالجة النظرية و تحافظ، عند الممارسة، على الراحة في الحوار ومتع المجتمع هي نظرية لا يمكن الدفاع عنه لعدم إمكانية التفريق الفصل الكلي بين الممارسة والنظرية. إن استطاع هابرماس الدفاع على أن مبادئ الممارسة هي «جزئيا» هي نفسها المبادئ النظرية، فلأنهما كليهما مبادئ للتواصل. وبالتأكيد يخص ال«جزئي» هامشا التحرك للمتشكك؛ لكنه هامش جد ضيق. إلى هذا الحد من الفعل الحجاجي، لم يبق للمتشكك إمكانية الانسحاب في صمت: فالخيار من الآن محصور بين الاعتراف أو الانتحار. هكذا لا يستطيع المتشكك أن يكذب مبدأ «ن» («كل قيمة صالحة عليها أن تكون مقبولة من قبل كل المعنيين، شريطة أن يشاركوا في مناقشة فعلية»)([11]). 
نقطة التباين الأساسية بين نظرية هابرماس والبراغماتية المتعالية ل ك-أُ أبل تعود إلى مسألة التأسيس. فأبل يدعي اكتشاف «الأساس الأخلاقي النهائي»؛ بينما يظل تبرير مبدأ «ع»، في نظر هابرماس، مسألة افتراضية من حيث كونه مرهونا دوما بالممارسة الفعلية للمناقشة، أو، بتعبير آخر، لممارسة عملية توليدية([12]). زد على ذلك أن هابرماس يشك بجدية فعالية ما سيبنى من خلال «الأساس الأخلاقي النهائي». حتى وإن كانت أخلاق النقاش نفسها، دون شك؛ لكن لا يعني بكل تأكيد الأخلاق الجمعية، وذلك لأن «البديهيات الأخلاقية اليومية لا تحتاج لأنوار الفلاسفة»([13]).
في كتابه من أخلاق النقاش سيوضح هابرماس أكثر ما أكده في كتابه الأخلاق والتواصل حول التأسيس بفعل القيم ويؤكد على أنه إن كانت أخلاق النقاش تسبق تأسيس القيم، فذلك فقط بالمعنى الضعيف حيث تسمح بحل خلاف متعلق بالحقوق والواجبات([14]). فهي تطمح إلى «الإجابة على السؤال الابستيمولوجي المتعلق بمعرفة كيف تصبح الأحكام الأخلاقية  ممكنة، وليس على السؤال الوجودي المتعلق بمعرفة معنى أن تكون متخلقا»([15]). في جميع الأحوال ليست المسألة مسألة الخوض في البحث عن «قيمة عليا» تجعل من الضروري مراقبة العدالة بشكل عام. إلزام من هذا النوع سيكون زائدا على الحاجة بالمقارنة مع ما تنص عليه الالتزامات البسيطة المعترف بها في الحكم الأخلاقي([16]).
إن نظرية النقاش، بالمقارنة مع الأخلاق الجمعية، لها وظيفة نقدية فقط. فهابرماس، من خلال هذه الملاحظات، يؤكد أن مصير أخلاق النقاش هو في المساهمة في نظرية نقدية للمجتمع، وليس في تقديم صياغة جديدة لماهية الإرادة الحسنة. إذ نظرية النقاش هي أداة تسمح بمحاربة التيار المتشكك في القيم ومحاربة الوضعانية القانونية اللذين «غزوا النظام الثقافي في بعده التربوي واخترقوا الوعي اليومي»([17]). يمكن، عند الحاجة، قبول أن هذا المشروع الفلسفي لا يدعي التخليق، وأنه يبرز إمكانيته الحقيقية عند بلورة تصور حول الديموقراطية والحقوق. لهذا  السبب حول هابرماس مصطلح من «نظرية النقاش» إلى «أخلاق النقاش». لكن ألا تبقى بعض من نماذج مشروع هابرماس تخليقية، بحيث أنها تشكل محاولة، يائسة بالضرورة، لمراقبة قبول قيمة من قبل فرد ما؟ إذا كان هابرماس، أثناء تحليله للافتراضات البراغماتية للحجج، لا يأمل في معرفة «ما الذي يعنيه أن يكون المرء متخلقا»، ألا يعني هذا إجابة محددة بصرامة على السؤال المتعلق بمعرفة ما يعنيه «أن يكون المرء فردا»؟ هذا ما أقترح معالجته الآن.

تطبيع الموضوع

منظور مجتمع مثالي للتواصل، المتوقع من قبل النقاش العادي، يوجه الاندماج الاجتماعي. قد أعلن هابرماس في محاضرة نشرت في كتابه فكر ما-بعد ميتافيزيقي (1988) أن: «إن الفرضية التي تجعل شكلا من الحياة الشمولية مثالية، التي يمكن فيها لأي أن يتبنى وجهة نظر كل الآخرين ويعتمد على الاعتراف المتبادل من قبل الجميع، يجعل من الممكن للاندماج المجتمعي أن يكون فردانيا، كما تجعل الفردانية ممكنة طالما أنها تمثل الوجه الآخر للعالمية»([18]). فبدون عقد جلسة مع «محكمة مجتمع تواصل بلا حدود»([19])، ستبقى وحدة سيرة حياتي، وتحكمي في حياتي الخاصة وتحملي لمسؤولياتي مضمرة، غير معروفة وافتراضية. الاعتراف العلني هو وحده الذي يجعل ادعائي بالفردانية يتبلور. وهابرماس لا يعيد ببساطة المألوف الذي يفترض أن الرجوع إلى الذات يفترض تبني وجهة نظر الآخرين، و لا المفهوم، العزيز على آدام سميث، للمتفرج المحايد؛ إذ يجد في نظرية النقاش، وبمتابعة أعمال ج. ه. ميد (العقل، الذات والمجتمع)، أساس تربية تجمع بين الاندماج الاجتماعي وتعزيز الفردانية.
 إلا أنه تجدر الإشارة، في المقام الأول، إلى أن مفهوما من هذا القبيل يختصر الفردانية في المسؤولية؛ وأنه، في المقام الثاني، ينكر كلية أي واقع عن مسؤولية الذات في استقلال عن مسؤولية أمام الآخرين: «الإحالة على شكل من أشكال المجتمع المتوقع هي وحدها التي تسمح بالأخذ بجدية ببليوغرافية كل شخص كمبدأ من مبادئ التفرد، أي اعتبارها كأنها نتيجة لقراراته المسؤولة»([20]). الفردانية، هنا، ليست ذات أسرار، على الأقل لا سر يمكن اعتباره كمقاومة مرضية أو بقايا التزام الناس بمعايير التواصل. الانفصال ليس هو الذي يخلق الفردانية، بل هو الاجتماع. بطبيعة الحال لا يعطي هابرماس أي تقدير لعدم الإلتزامية لجون ستيوارت ميل الذي أكد على عدم اختزال المسؤولية والفردانية في المساءلة من طرف المجتمع وشجب بشكل مسبق الخلط المعاصر بين الاستقلال الذاتي والقدرة على التكيف. فهبرماس يرى أن الاستقلالية يقوم بإشاعتها بشكل واسع المجتمع.
حين كتب هابرماس، في كتابه من أخلاقيات النقاش، أن «مفهوم الاستقلال البينذاتي يأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن التطور الحر لشخصية كل واحد على حدة يعتمد على تحقيق حرية جميع الأشخاص»([21])، يمكن للقارئ اعتقاد أنه وجد في هذه الصياغة نفحة كانطية –رغم ادعاء هابرماس أنه يعترض على كل فلسفة للوعي، بما فيها فلسفة كانط-، أي يمكنه فهم من «مفهوم البينذاتي للاستقلالية» أنه تكافؤ قدرة الأشخاص على تقرير مصيرهم، وكرامتهم المتكافئة و، بالتالي، احترامهم المتبادل. لا شيء من هذا صحيح. الواقع أن «الاستقلالية» تعني هنا ما يعنيه ضبط النفس و« البينذاتية» لا معنى آخر لها سوى ما هو «اجتماعي». فاستنادا على سيكولوجية النمو الأخلاقي لل. كولبيرغ، كتب هابرماس فيما بعد أن «الأخلاق الكونية التي لا تريد البقاء معلقة على حبل النوايا الحسنة قد تم إحالتها على بيئة مناسبة وفعالة من وجهة نظر التنشئة الاجتماعية. لقد تم توجيهها نحو نماذج من التنشئة الاجتماعية وعمليات تعليمية تعزز تطور ذاتية أعضاء من الأجيال الشابة، وتدفع بعمليات الفردانية لتجاوز حدود الهوية التقليدية المرتبطة دوما بأدوار اجتماعية محددة»([22]). «مفهوم البينذاتي للاستقلالية» يحيل على ما يعتبره علماء الاجتماع واقعة مميزة للمجتمعات المركبة: قيمة الفردانية، عمق عدم لُبسها وحركيتها، وضرورة ترابط تكوينها الذاتي و تكيفها.

ما ينتظره المجتمع المعاصر من الفرد هو تحقيق الاستقلالية: يبدو أن هذه الصيغة تصف، فقط، على غرار دوركهايم، واقعة اجتماعية جلية؛ بيد أن هذه الصيغة تشير أيضا إلى معنى الأخلاق، طالما أن المجتمع، من حيث بنيته التواصلية بالأساس، هو المكان الوحيد والحقيقي لاكتشاف المعيارية. إذن لا يتعلق الأمر فقط بوصف حقيقة الطريقة التي تعمل بها المجتمعات المختلفة والمركبة، بل أيضا بإيجاد حقيقة الأخلاق في طريقة العمل هذه: ف«التخلي عن التقاليد الجامدة [الخاصة بالمجموعات التقليدية]، التي يجعلها المجتمع إلزامية، يفرض على الفرد، من جهة، أن يتخذ قراراته الأخلاقية، ومن جهة أخرى، أن يحدد مع نفسه مشروعا حياتيا فرديا، مؤسس على تأويل أخلاقي»([23])

يذكّر هابرماس، على خطى ج. ه. ميد، أن التمسك الوهمي بالعزلة ليس سوى أداة لهذه العملية الضخمة من التنشئة الاجتماعية التي تطبع العصر المعاصر. وإن أردت أن أقطع، على طريقة أبيقور أو روسو، مع الأعمال الاجتماعية، فستظل الحرية التي سأكتسبها مجردة و ستتناقض في جميع الأحوال مع مسعاي الأكيد لمحاكمة الآخرين. وعليه، فهابرماس لا يقتنع فقط بالتأكيد المتكرر على أن الذات يتم انتاجها اجتماعيا –مما يصعب انتقاده-، بل يعتقد، بطريقة يمكن اعتبارها على الأقل مبالغ فيها، أن المجتمع هو المكان الوحيد لتطوير ذات مسؤولة: « تعتمد الذات في التصور الأخلاقي للذات على اعتراف المستقبلين، وهذا، بقدر ما تتطور فقط كاستجابة لمتطلبات مواجهة بين نظيرين»([24]). وحينما استنكر هابرماس مغالاة فلسفات الوعي التي كانت تجهل كل ما يتعلق ببعد البينذاتي للفردانية، يبدو أنه خضع لإفراط معكوس متمثل في بناء البينذاتية، المحالة هي نفسها على الحوار، كمصدر حصري للتطور الأخلاقي.

لنأخذ مثال التفاهم مع الذات الذي قام بها روسو، في مراسلاته مع ماليشرب Malesherbes، وأكثر من ذلك في الاعترافات، حيث يشير هابرماس إلى ما أسماه في موضع آخر تناقضا أدائيا أو «توقعا معاكسا»؛ إذ يدعي أن روسو كان واضحا ويتحدث بصدق مع نفسه عن نفسه، وهو في الواقع يتوجه بالضرورة لحكم فضاء عمومي: ف«شكل الرسالة يوحي بوضوح إلى الطابع الخاص للمحتوى الذي تم إبلاغه، غير أن المطالبة بالالتزام بصدق جدري […] تتطلب جمهورا غير محدود.»([25]). إن التفاهم مع الذات هو دوما حوار اجتماعي. المجتمع، هنا، هو القيامة التي لا مفر منها لذاك الذي يفحص نفسه، والتي لا يهرب منها حاليا بمجرد ما يضع صياغة لشكل هذا الفحص. هذه الملاحظة تعمل على التخلُّق بشكل ملائم، لكونها تكرر الحجج القديمة لمناصري أخلاق محددة ومعاشرة طبيعية في مواجهة خصومهم الأبيقوريين. لهذا اعترض ابكتيتوس قائلا: «أيها الرجل، لِم تشغل نفسك بنا؟»، «لماذا تكتب كتبا ضخمة جدا؟»([26]). الرغبة في الاعتراف الجميع يثبت لوحده وجود إمكانية التعايش الجماعي وصلاحية معيار الاتصالية.

 عندها لا يمكن تصور الذاتونية سوى كعنصر تحكم؛ طرائقها اجتماعية بشكل عميق. وهابرماس حينما نسب لفيتجنشتاين، من أجل النقد، الأطروحة التي مؤداها أن اللعب يشكل نموذجا مقنعا للغة، أبرز، في كتابه علم الاجتماع ونظرية اللغة (1970-1971)، اقتناعه بتطابق ممارسة النقاش وتربية الشخصية. التواصل، بالنسبة للمتحاور، هو «عملية تكوينية» حقيقية:  إذ أن «نموذج اللعب يسعى إلى إخفاء واقعة أن شخصية المتحاور، المبنية في جميع نواحيها على الرموز، هي جزء من بنية التواصل اللغوي. فالذي يربط اللغة بالمتحاور هو مختلف وحميمي جدا مما يربط اللاعبون بلعبهم»([27]). وليست قواعد التواصل قواعد مسبقة متفق حولها، على المتحاورين اتباعها، بل هي توجد خارجهم. وعلى العكس من ذلك، «تخترق كل لغة البنية ذاتها لشخصية المتحاورين»([28]). في التلخيص الكبير الذي قام به سنة 1988، لن يكتفي هابرماس بقول أن الشخصية «مهيكلة من رموز»، بل يجعل «الأشخاص بنيات رمزية»، وذلك لأنه «من غير الممكن وصف المنظمات كما نصف الأشخاص إلا في نطاق كونهم أصبحوا اجتماعيين، أي كونهم قد اختُرقوا وتم بَنْينَتِهم من قبل مجموعات متماسكة من المعاني ذات الطابع الاجتماعي والثقافي»([29]). هناك إذن نوع من الحضور تواصلي حميمي لدى الفرد؛ أو، بشكل أكثر تشددا، التواصل هو الوسيط الحقيقي لعملية الذاتونية. وفي هذا يزعم هابرماس أنه وجد آثارا لتكوين الفرد من خلال الاعتراف بحرفية أفعال لغة «أطلب منك»، «أشرح لك»، ويأمل بذلك توضيح معنى البينذاتية بواسطة «دراسة منطق استخدام الضمائر»([30])

سنفهم بشكل أفضل السبب الذي يجعل التصور الهابرماسي للفردانية يمنح مساحة صغيرة للانقسام والعزلة، وبكلمة واحدة للسر. حقا إن الأطروحة مغالية: «علينا الاعتراف أن الأفراد أنفسهم لم يكونوا ليصبحوا أفرادا قادرين على القول والفعل إلا بارتباط مع أفعال للاعتراف متبادل؛ إذ أن قدرتهم التواصلية، وبتعبير آخر قدرتهم على القول (والفعل)، هي وحدها التي تجعل منهم أفرادا.»([31]). صحيح أنه لا يمكننا إنكار أن تكوين الفرد له علاقة بالاعتراف. ولكن هل يمكن أن نستنتج من هذا أن القدرة التواصلية هي وحدها التي تُكوّن فردا حقيقيا؟

ليس القصد هو الحكم على النوايا حين نفترض أنه، إن اجتهد هابرماس كثيرا في تقديم التواصل كعملية حميمية لتكوين الفردانية، فلكي يتم حرمان فردانية الفرد من كل موقف خارجاني بالعلاقة مع العملية التواصلية. وحين يؤكد هابرماس أن جدية الذات والآخرين هي جزء من مستلزمات الوضع المثالي للتحدث وهو المتوقع من الوضع العادي([32])، فيبدو أنه يعترف بحذر بصعوبة التحكم في علاقة فرد مع أقواله الشخصية. إلا أن ملاحظات من أجل تأسيس أخلاق النقاش تبرز عام 1983 أن الأفراد لا يمكنهم أن يرفضوا لفترة طويلة تصورا تواصليا دون أن يصابوا بالجنون. إن اعتقدوا أنهم اختاروا أنشطة استراتيجية بحتة، أي موجهة للحصول على نتيجة وليس على توافق، فلن يصمدوا: ف«ليست لهم باستمرار القدرة على الخروج من سياقات النشاط الموجه للتفاهم المتبادلintercompréhension»([33]).

لا يتعلق الأمر فقط بمناصرة الطرح القائل أن وجودا، من حيث هو تصور، لا يمتلك قطعا أي نوع من الوفاق مع الآخرين هو وجود لن يكون قابلا للعيش بل و يكون أقرب إلى الجنون؛ وإنما باقتراح أن هذا يصدق مع وجود منظِّر، مثلا واحدا من الأبيقوريين الجدد، الذي يساند أن النشاط الانساني ليس موجها بالأساس نحو التفاهم التبادل وأنه سيشك في أهمية أخلاقيات النقاش نفسها. فالأحمق، هنا، هو أيضا ذاك المتشكك الذي يرفض المشاركة في مشروع نظري يقال أنه صادر بالضرورة عن ممارسة التواصل. ونظرية التواصل هي من نوع تلك النظريات التي لا تنزعج من اعتبار أن من لا يعترف بصلاحيتها هم، في الواقع، وبصريح العبارة ليسوا أفرادا. ولهذا السبب يجب على النظرية أن تتضمن جانبا سريريا وعلاجيا مهما ارتأى فاعلوها حكمةَ تركها في وضعية البرنامج([34])

يعلن هابرماس عدم انخراطه في مشروع التأسيس النهائي أو بناء قاعدة لمعيار جد استثنائي super-norme. إذ ما الذي تعنيه الرغبة في جعل الأخلاق إلزامية؟ من المنطقي حقا القيام بمحاولة فهم المقصود من الواجبات. لكن لا ينبغي الركون إلى طرح مسألة الواجبات بشكل لا نهائي. هذا على الأقل ما تجب الإشارة إليه من بين التحفظات المتكررة المتعلقة بال«براغماتية المتعالية» لكارل أوتو آبل.

بالنسبة لهذا الأخير، ما هو المشكل بالضبط؟ يواجه آبل باستمرار السؤال: لماذا نكون متخلقين؟ ويعتقد استباق الاعتراضات بتمييزه بين معناه «الوجودي» ومعناه  «الميتا أخلاقي». بالنسبة للمعنى الوجودي، يمكن للسؤال، على سبيل المثال، أن يأخذ شكل: ما الفائدة أن تكون متخلقا، إذا كان العالم غير عادل والآلهة غائبة؟ آبل يرى أن الجواب على هذا السؤال يمكن أن تتكفل بتقديمه الميتافيزيقا أو الدين. السؤال الذي يمكن فهمه بالمعنى الميتا أخلاقي هو وحده الذي يعتزم ك.-أُ. آبل تقديم جواب عنه يماثل التأسيس للأخلاق المثلى. وهكذا كشفت أخلاقيات النقاش عن الأسباب التي تجعل الواحد متخلقا؛ هذه الأسباب هي داخلية في ممارسة التواصل نفسه.

هذا، وحتى إن تبلور للسؤال الميتا أخلاقي جواب بهذه الطريقة، فإن السؤال الوجودي، وكما يؤكد آبل، يبقى مفتوحا. في هذا الإطار ستكون أخلاقيات النقاش جد واعية بعدم إمكانية «أن نبرهن لإنسانٍ عن ما نقصده ب”النية الحسنة” باستخدام براهين والحجج، أي بإجباره بطريقة، إن صح التعبير، قطعية بنقل الفكرة المعرفية الكامنة في الواجب الأخلاقي إلى قرار طوعي للفعل»([35]). لن نحاكم هذه الصياغة على نيتها وهي التي تبدو نادمة على استحالة التحكم في اعتراف فرد بمعيار. ومع ذلك، فهذا الموقف الذي يبدو حذرا ومتواضعا لا يفي بوعده. فآبل يعلن بأنه من المستحيل دحض المتشككين الذين يشعرون بالاكتئاب جراء ما يشعر به العالم من خيبة أمل، وبالضبط هؤلاء الذين لا يرون أي إجابة صالحة على السؤال: لماذا نكون متخلقين؟ بالمعنى ال«وجودي». على العكس من ذلك علينا أن نكون متشددين إزاء المتشكك النظري الذي لن يبدو له، وهو منخرط في نقاش، أنه يفترض على الوجه الأحسن الإجابة الممكنة على السؤال: لماذا نكون متخلقين؟ بالمعنى «الميتا أخلاقي». لكن إن فحصنا عن قرب حجة ك.- أُ. آبل، سنجد أن تسامحه مع المتشكك ال«وجودي» غريب جدا: استحالة دحضه لا يعني سوى أن «مع حجج عقلانية، كملاذ وحيد، لا يمكن منعه، مثلا، من رفض النقاش العقلاني أو، بطبيعة الحال، من الانتحار لعيشه حالة يأس يسببه العبث»([36]). مرة أخرى، حرية من لا يختار النقاش تتمثل في اللجوء إلى المخرج الوحيد، المؤلم، الموجود تحت تصرفه.

بالنسبة لآبل يمكن لإنسانٍ أن «يتموقف ضد الكائن الأخلاقي»، وفي هذه الحالة لن يصبح فردا، طالما أن الذاتوية لن تتطور ولن يكون لها وجود خارج المشاركة في الفعل التواصلي. قرار كهذا يبقى ممكنا فقط بالمعنى الذي يكون فيه باثولوجيا. وفي مواجهة ال«نتشوية» المعاصرة، ونقصد بالتحديد فوكو، لا يكف آبل عن ترديد الحجة التي تدعو إلى التخلق التي ازدهرت انتقادات هوبز الأرثودوكسية: فإن قال لنا هذا أن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان وأنكر وجود تنشئة اجتماعية طبيعية، فهو، بقوله هذا يبرهن لقرائه أنه بنفسه ليس ذئبا. هذا المجال العمومي، المعتاد في الجدال المناهض لتيار هوبز أو التيار أبيقوري للقرن الثامن عشر([37])، لم يتطور: «يمكن الإشارة كذلك إلى التجارب المختلقة، ذات الطابع اللاأخلاقي أو العدمي، التي يقودها بعض المثقفين في العالم الاجتماعي المعيش، والتي لا يمكنها إلا أن تصطدم بمحدودية التأثير المحتمل مادام التواصل والتفاعل الاجتماعي المتبادل يفترض احترام معايير أخلاقية ليتفادى الانهيار»([38])

خاتمة


إنه من غير المؤكد بالنسبة لهذه النقطة، وعلى بالرغم من التحفظات المعلنة، أن يكون موقف هابرماس في الأخلاق والتواصل مختلفا اختلافا جوهريا عن مثيله لدى كارل أوتو آبل. فالأول والثاني يؤكدان بالفعل أن الفرد من وجهة نظر وجودية ليس مضطرا إلى الفعل التواصلي وللاعتراف بمعاييره. إلا أن هذا التأكيد يتم دوما تبيانه، قليلا أو كثيرا، في سلم التنازلات. والتنازل، على الخصوص، ضعيف جدا، إن لم نقل منعدما، يتم فقط حين توقع حالة مرضية شديدة أو موت إرادي. صحيح أن فردا يمكنه، من جهة، رفض المشاركة في الفعل التواصلي؛ لكن هذا يتضمن، من جهة أخرى، أن الواحد لا يصبح فردا بشكل فعلي إلا من خلال هذه المشاركة.

وهكذا يظل شيئا ما عالقا في عمل هابرماس خلال البحث عن أساس جوهري و، إن لم يكن معيار أسمى super-norme، على الأقل معيارية أسمى super-normativité، أي أقوى الأسباب التي تجعل الفرد يتعرف على المعيار ويتكيف مع القواعد الاجتماعية. هذا السبب القوي يمتزج مع نمط وجود الفرد. يقال لنا، حين الحديث عن الفرد، أن عدم الاعتراف بصلاحية معايير التواصل هو أمر غير عقلاني، ولا سوي، ولا طبيعي. الحقيقة أنهم يريدون القول لنا، بشكل أكثر تحديدا، أن يكون الفرد فردا عاديا فذاك يتوقف على هذا الاعتراف. وهكذا نظل مرتبطين بالبحث عن الأساس الجوهري للأخلاق. صحيح أنه لا يتم البحث عنه في صورة «معيار أسمى»، أي البحث عن التزامٍ يجعل كل الالتزامات ضرورية ويصبح تأسيسيا للأخلاق. ثم إننا نتعقب الأساس النهائي في صورة علاقة حميمية تجمع بين الفرد والمعايير التواصلية. الاعتراف بها يعتبر في الواقع تأسيس للفرد.

حينما لاحظ ستيفان هابر عن حق أن طريقة هابرماس «تسعى إلى تجنب الإحالة، التقليدية في فلسفة الأخلاق، إلى الوعي، إلى حكم الوعي، والاعتماد على التشكيلات البينذاتية»([39])، بات من الضروري دون شك التأكيد على أن هذه الإحالة الأحادية الجانب للبينذاتية، في شكلها الحصري المتمثل في المحاورة، لا تقود حقيقة نظرية النقاش إلى عدم الاكتراث بما يقع في «داخل الوعي». فكما رأينا، ليس الحوار وحده الذي خضع للتعيِير، بل البينذاتية أيضا. إذ بالنسبة لهابرماس وآبل الحب، والبوح، والامتنان، والنزاهة، الروح الرياضية، والصراحة وغيرها ليسوا فضائل تشهد عليها، بطبيعة الحال، أعمالنا، بل هي المزايا الأساسية للفرد العادي. إنها ضرورية بالنسبة له بقدر ما يصبح معرضا للتدمير إن هو فقدها. والغريب أن تيارا يدعي تعويض نموذج التحاور بتيار التخاطب الذاتي لفلسفات الوعي لم يتخل عن التحقيق في القلوب.
    



المصدر
https://www.cairn.info/revue-cites-2001-1-page-71.htm
الهوامش
[1]- ملاحظات من أجل تأسيس أخلاق للنقاش، ضمن الأخلاق والتواصل (1983)، ترجمة  C. Bouchindhomme، باريس، سيرف، 1986، ص. 118. من الآن نشير إليه ب MC.
[2] - MC, p. 83.
[3]  -MC, p. 86-87.
[4]  - نفسه، انظر كذلك ص 114.
[5]  -MC, p. 88
[6]  -MC, p. 103
[7]  - MC, p. 118
[8]  -لتفنيد أبيقوريات من إلهام الرواقية، انظر شيشرون، دي فينيبوس، II، 25: «هناك من يعيش إلى حد أن خطاباتهم تكذبها حياتهم.» لدى الابيقوريين هناك فرق بين القول والفعل. بالنسبة للمتشككين، انظر شيشرون، الأكاديميات الأولى، II ، IX، 25-29، و II، XXXIV، 109-110: «الحكيم لايمكن أن يدرس أو يعيش بدون مبدأ، و، إن كان يؤيد أن «لا يمكن إدراك أي شيء»، هو يدرك هذا المبدأ على الأقل.» يرجع الفضل لآلان بوتي في  معرفتي لهذا.    
[9]  -MC, p. 121
[10]  -MC, p. 122
[11]  -أستعير هذه الشهادة من أخلاقيات النقاش (1990)، ترجمة M. Hunyadi، باريس، سيرف، 1992، ص. 34. سنشير إليه من الآن ب ED.
[12]  -أنظر الجواب الذي يعتقد كارل-أُوتو أبل إعطاؤه لهذا الاعتراض في الهامش الطويل في كتابه نقاش ومسؤولية (1988)،  vol. I, trad. C. Bouchindhomme, M. Charrière et R. Rochlitz, Paris, Cerf, 1996, p. 103-104.
[13]  -MC, p. 119
[14]  -ED, p. 123
[15]  -ED, p. 166
[16]  -ED, p. 167-168
[17]  -Ibid.
[18]  -الفكر الما-بعد ميتافيزيقي (1988)، ترجمة ر. روشليتز، باريس، أرمون كولان، 1993، ص.226. نشير إليه من الآن ب PPM.
[19]  - Ibid.
[20] - Ibid
[21] - ED, p. 28
[22] - ED, p. 44
[23] - PPM, p. 223
[24] - PPM, p. 209
[25] - PPM, p. 205
[26] - حوارات،II، 20، 9
[27] - علم الاجتماع ونظرية اللغة (محاضرات سنوات 1970-1971، نسخة ألمانية سنة 1984)، ترجمة ر. روشليتز، باريس، أرمون كولان، 1995، ص. 70. يشار إليه من الآن ب STL.

[28] - Ibid
[29] - PPM, p. 101
[30] - STL, p. 74
[31] - STL, p. 73
[32] - STL, p. 117
[33] - MC, p. 124
[34] - انظر كارل أوتو آبل، الأخلاق في عصر العلم، ترجمة ر. لولوش و إ. ميتمان، منشورات جامعية للِيل، 1987، ص 136-137؛ والاعتبارات الأقل صراحة لهابرماس فيما يخص «علم أمراض أشكال الحياة»، ED, p. 45–47.
[35] - نقاش ومسؤولية، المجلد الثاني، ترجمة ك. بوشيندهوم و ر. روشليتز، باريس، سيرف، 1998، ص. 117
[36] - Ibid
[37] - نجده، مثلا، في فوفينارغ Vauvenargues. أسمح لنفسي بالإحالة إلى « Le lieu commun de la prolepse » ضمن  Vauvenargues. فلسفة القوة النشطة، تحت إشراف ج. داجن و ل. بوف، باريس، هونوريه شامبيون، 2000.
[38] - Discussion et responsabilité, vol. II, op. cit., p. 123
[39] - هابرماس والسوسيولوجية، باريس، المطبوعات الجامعية الفرنسية، 1998، صص. 103-104

نشر بمدونة "كوة"

نورالدين البودلالي
بواسطة : نورالدين البودلالي
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-