الورقة التي قدمها "الفضاء البيداغوجي"، الصفحة الفايسبوكية
المتخصصة، في موضوع "رأيٌ في النقاش حول اللغة و الكتاب المدرسي" هي
ورقة تطرح عدة قضايا تتراوح بين اللغة كقضية عامة ولغة التدريس كقضية خاصة وجولة
حول قضايا تربوية وبيداغوجية متنوعة. تناول جميع هذه القضايا بالنقاش في بضع فقرات
لن يكون مقنعا ولا حتى كافيا، فكل نقطة هي قضية في حد ذاتها؛ والرحلة ما بين القضايا
النظرية بالاستناد على دراسات انجليزية أو أمريكية أو حتى فرنسية (جيمس لولر، ميشل
تور...)، وبين دراسات في البيداغوجية الخاصة، لابد أنها ستكون فقيرة تكتفي
بالمتداول والعام.
سأركز في تدخلي على عرض وجهة نظري (ولا أدعي العلمية) في مسألة لغة التدريس
بالمغرب.
المقصود بلغة التدريس اللغة، وليس
اللهجة (أو اللهجات) الشعبية، التي تعتمدها الدولة، أي دولةٍ، في تعليم أفرادها
مختلف المعارف والمهارات الحياتية. والدولة المغربية، ككل دول العالم يحكمها دستور
ينظم حياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها. هذا الدستور يؤكد أن اللغة
العربية واللغة الأمازيغية، هما اللغتان الرسميتان، مع غلبة اللغة العربية لأسباب
تاريخية واجتماعية. غير ان علاقة التحكم الثقافي والسياسي الاستعماريتين تفرض
أحيانا العودة لتدريس بعض المواد، العلمية منها خاصة، باللغة
الفرنسية ولو أنها ليست اللغة الرسمية للبلاد.
يقول قائل: إلا أن جميع المدرسين أو أغلبيتهم العظمى تقدم الدروس، كل
الدروس، باللهجة الدارجة. هذا صحيح، بل إن العديد ممن يدرسون اللغات الحية: فرنسية
وانجليزية واسبانية وايطالية لشرح قاعدة أو... يستعملون الدارجة المغربية. الحق أن
المسألة مرتبطة بمعضلة التكوين الأساسي، وبأخلاقيات المهنة، ويمكن اضافة شروط
العمل التربوي. إلا أن المراقبة التربوية حين زيارتها للممارس لا يمكن أبدا أن تجد
وثيقة تربوية ولا دفتر تلميذ مخطوط بالدارجة المغربية. هذا ما يعني أن التعامل
بهذه اللهجة إنما هو تعامل "مُهرب".
لقد سبق لي أن قدمت وجهة نظر في مسألة التدريس بالعربية الفصحى أو الدارجة
(انظر في موقع إكسير ixiir تدخلي
"العروي والحيحي: كلمتان")؛ لكني أرى أن هذا الموضوع لابد أن يأخذه
بالدرس والتمحيص باحثون لسنيون وبيداغوجيون متخصصون من الوطن وليس غربيون، إذ لكلٍ
خصوصيته التي تحدد الإطار العام لكل بحث، والمرجعيات الثقافية والاجتماعية ذات
العلاقة بالموضوع. هؤلاء المتخصصون يكتفون الآن بتقديم خلاصات وتبسيطات لما يقرأون
في عالم التربية والبيداغوجيا مما يقرأونه من مراجع فرنسية، كندية، أمريكية أو
غيرها، ويعتبرون ذلك بحثا ميدانيا يعوضون عليه. نغلق هذا القوس.
تقول ورقة "الفضاء البيداغوجي": "اللغة العربية ليست لغة المؤسسات
بل والشارع ايضا، بقدر ماهي اداة ايديولوجية لديمومة السيطرة واضفاء المشروعية على
النظام التعليمي بالمغرب ومن خلاله اضفاء المشروعية على السياسات المتحكمة".
هذا القول فيه الكثير من الصحة، لكن ألا يصح هذا القول على كل اللغات التدريسية في
العالم؟ أليس صحيحا أن اللغات الرسمية في جميع بقاع العالم ليست هي المتحدث بها في
الشارع؟ أليس هذا الواقع هو ما دفع علماء اجتماع وتربويون يدقون ناقوس الخطر حيال
عدم تكافؤ الفرص في تحصيل لغة التعلم؟ أليس هذا هو ما يجعل المشكل أعمق حين تكون
لغة التخاطب الشعبي مفارقة تماما للهجة المشتقة أو القريبة من اللغة الرسمية،
كالباسكية ولغة الهنود الحمر و... الأمازيغية باختلاف لهجاتها على امتداد مساحتها
الجغرافية التي تتجاوز المغرب؟
إن مجالي التربية والتعليم خصبان من حيث القضايا الإشكالية التي تدعو إلى
طرح السؤال والبحث. ومسألة لغة التدريس تثير عددا من القضايا تتجاوز قربها أو
بعدها عن لغة الدولة السياسة، لتشمل انغلاقها أو انفتاحها على العالم، وقدرتها على
نقل المعارف الأدبية منها والعلمية، ودفعها إلى الابتكار والإبداع. هذه المسائل
ليست طموحات عند اللغات وإنما هي واقع يتجاوز اللهجات الشعبية التي تيسر التقارب
والتواصل بين فئة مجتمعية مغلوقة ومنغلقة.
بلادنا تعرف تعدد لغوي، تنوع ثقافي، تمازج عرقي، في ظل وحدة وطنية مشهودة.
وفي بداية الموسم الدراسي 2018\2019 تم فرقعة قنابل عاشورائية بإدخال كلمات دارجة لا تخضع لأي شروط
التقعيد للغة العربية، تزامنا مع عدد من الأزمات الاقتصادية والسياسية، ومنها
محاكمات متهمي حركية الريف وتصعيد رجال التعليم المتعاقدين... فكانت وسيلة لإلهاء
الناس وخلق حركية هامشية. هذه الحركية لا يجب أن تجر المثقف، أو الذي يهتم بالحركة
الثقافية لهذه البلاد، إلى نسيان مشروعه الأساس تثبيت الدولة الوطنية التي قوامها
الوحدة والترابط المتين لكل شرائحها وأطيافها.
نشر بمدونة "إكسير"