أخر المقالات

المدرسة الخصوصية ومسألة التكوين







وضعية تربوية: تلميذة تلتحق بالقسم الأول من التعليم الابتدائي، بمدرسة خصوصية، تُكلّف، قبل متم شهر سبتمبر، من طرف أستاذ(ة) بإنجاز تمرين في مادة النشاط العلمي (قس ذلك على باقي المواد التعليمية)، بالإجابة كتابة: بكلمة أو جملة. نستطيع تعميم الملاحظة على باقي زملاء وزميلات التلميذة بأقسام جميع المؤسسات التعليمية، ونفس الشيء يمكن قوله بالنسبة لعدد من المدرسين بعدد من مدارس المملكة المغربية.
مورفولوجيا
 بصفة عامة يمكن القول إن المدارس الخصوصية لا تمولها ولا تسير الدولة إدارتها ولا العمل التربوي بها، لكنها تراقب مدى خضوعها للقوانين الجاري بها العمل؛ كما ترخص لها بأن تفتح مؤسستها وذلك بعد احترام مواصفات هيكلية مادية وتربوية وكذا الانضباط لدفتر التحملات. تمويلها يتم من خلال رسوم التسجيل والأقساط الشهرية التي يستخلصونها من المتعلمين؛ وتسييرها الإداري والتربوي يتم من طرف هيئة ينتقيها صاحب المؤسسة نفسه أو من ينوب عنه، بإجراء تعاقدات موسمية قابلة للتجديد مادام المشﻐﱠل فعالا ومثمرا. رسوم الدراسة تتفاوت من مؤسسة إلى أخرى، وذلك بحسب نوعية الدراسة وجودتها، بل يتحكم فيها أيضا الموقع الجغرافي المتفاوت بين الأحياء المركزية (الغنية) والأحياء الهامشية (الفقيرة)؛ وقد نجد مؤسسة مركزية لها فروع بأحياء متفرقة، مستغلة في ذلك بعض الشهرة التي اكتسبتها.
القاعدة العامة تميل إلى تشغيل أطر لم يتلقوا تكوينا بيداغوجيا من قبل، ويكون ذلك على قاعدة التجربة والأجر المطلوب ثم الشهادة التعليمية. قد يأتي التكوين خلال الموسم الدراسي، ويتم، في العموم، بالتعاقد مع مكون يشتغل أو سبق له الاشتغال في مؤسسات حكومية كأستاذ بمعاهد التكوين أو مفتش تربوي أو موجه أو غيره. هذه المؤسسات تعتمد أيضا على كفاءات حكومية ترخص لها الدولة كتابيا بذلك بعد طلب مقدم للمديريات (النيابات)، شرط ألا يؤثر ذلك على العمل الرسمي للأستاذ بمؤسسته. لا ننسى فئة المتقاعدين، ولا المستفيدين من التقاعد النسبي بعد موجة الانسحابات من الوظيفة العمومية، الذين يشكلون زادا آخر لهذه المؤسسات، مزاحمين بذلك جيوش المعطلين الذين يبحثون عن مورد رزق.
أعتبر الجانب التربوي والبيداغوجي عموما وجانب العلاقات التربوية على الخصوص محددين فعليين لجودة أو عدم جودة المؤسسة التعليمية: عمومية أو خصوصية. لا يمكن لهذين الجانبين أن ينموا لدى المربي باعتماد التجربة الشخصية، أو/ومشاركة المربين الآخرين في تجاربهم الحياتية. لابد من تكوين نظري، مرجعية سيكولوجية وبيداغوجية، تنشئان تغتنيان بفضل التكوين الأساسي والتكوين المستمر إضافة للجانب العملي. هل نكوّن المتمدرس لنجعل منه عاملَ المستقبل أم لنصيّره المواطن الصالح لبلاده؟ العملية التعليمية تتجاوز تحقيق النتائج القصيرة المدى: النجاح وكسب الشهادات من أجل كسب القوت اليومي، إلى الأثر العميق في الشخصية الأساس التي تبنى على أساس احترام قيم الإنسانية والتمدن.
بيداغوجيا؟
لذا بدءا وجب علينا، كمربين بالمؤسسات التعليمية، احترام شخصية الطفل من حيث هي كذلك، لا باعتبار ما لدينا من صور قبلية، وهو ما لا يتحقق إلا بالتبني العملي للمرجعية التربوية والسيكولوجية، مع العمل على تبيئيها. وبالرجوع إلى الوضعية التربوية المشار إليها في البدء، نشير، أولا، أن التلميذة وزملاءها، هم حديثي الالتحاق بأول قسم من أقسام المؤسسة المدرسية، ومن المفترض أن نعتبرهم يجهلون، أو على الأقل غير متحكمين في، عمليتي القراءة والكتابة. من المنطقي أن نعتبر مجموعة القسم التلاميذية، بل الأجدر أن ندشن علاقتنا بهم باعتبارهم مجموعة غير متجانسة ولا متماثلة. ليسوا بالضرورة مكتسبين لتقنيتي القراءة والكتابة، إما لعدم مرورهم بالتعليم الأولي، وإن استفادوا منه فباحتمال عدم قدرتهم المرور من لحظة الممارسة اليدوية (المناولات) إلى مرحلة التجريد، بل قد يكون النمو الجسمي والعقلي لم يبلغا درجة النضج الكافي لاكتساب القدرات اللغوية. لا ننسى أن التمرين المقدم يخص مادة علمية تتطلب أولا مناولات تشكل، في هذا العمر، تجربة تتطلب قدرات كالملاحظة والتداول اليدوي والاستنتاج الذي يجب اعتباره النتيجة العلمية التي ستصبح مكسبا معرفيا للطفل؛ التعبير عن هذه الأنشطة بلغة مكتوبة أمر من المفترض أن يكون، في العمر المذكور، مشروط بالنمو التدريجي والمرور من قراءة الحرف بعد الحرف إلى الجمع بينها في كلمة(ات)، ثم تهجي الجملة واستيعاب معناها.      
هنا تبرز ملاحظة هامة بالنسبة للمدرس(ة). فقد أبانت التجربة أن جل المدرسين (حتى لا أقول الجميع) المكلفين بتدريس السنة الأولى من التعليم الابتدائي، يراهنون على الفترة التي يمر بها الطفل بالمدارس الأولية، من سن الرابعة إلى السادسة، باعتبارها فرصته لتعلم تقنيات القراءة والكتابة؛ وحتى إن كانت المقررات الوزارية تضع مصرّة السنة الأولى من التعليم الابتدائي سنة اكتساب هاتين المهارتين، وأنهما تدعَمان وترسّخان لدى التلاميذ، مع التركيز على الضعاف منهم أو المتعثرين، في السنة الثانية من نفس السلك، فإن تكليفهم –التلاميذ- بما يشبه التمرين العلمي المقدم يؤكد ما سقناه من ملاحظة. مجددا تبرز معضلة التكوين، هذه المرة بالنسبة للمشتغلين بالمدارس الأولية، حيث أن مستواهم التعليمي في الغالب يكون محدودا، وأنهم لا يملكون من الأساليب البيداغوجية سوى طريقة الحفظ.
 ملاحظة ثانية وتهم التفييئ الذي يقوم به المدرس لمجموعة القسم إلى حسن ومتوسط وضعيف، لا يكون في الغالب دافعا له للعمل مع كل فئة حسب إمكانياتها وقدراتها، وإنما لإقصاء الضعاف منهم بدعوى ضيق الزمن المخصص للمادة، وطول المقرر، واكتظاظ الأقسام. والحق أن هذه المبررات اعتبرها من سلبيات المنظومة التعليمية بالمغرب بجملتها، العمومي منها والخصوصي، إلا أن حرمان ضعاف التلاميذ الاستفادة من الدروس المقدمة يعني حرمان مواطن من حقه الأسمى في التربية والتعليم، غير متساويا مع زملاء القسم في فرص التمدرس. والملاحظ أيضا أن عددا من المدارس الخصوصية تتميز ببرمجتها حصصا للمساعدة على فهم الفروض المنزلية وإنجازها. والحقيقة أنها فرصة إضافية لدعم وتركيز المكتسبات المعرفية لدى التلاميذ شرط أن تجرى بالشكل المطلوب. ملاحظات عديدة تجمع على أن المكلف(ة)، الذي يجد نفسه أمام قسم متعدد المستويات والمواد، يلجأ إلى الحل الأسهل: إنجازها بنفسه. نظريا كان سيكون أجدر بدفع النجباء إلى تقديم العون بشرح بعض ما يستعصي على الضعاف فهمه واستيعابه، وهي طريقة تخلق روح التعاون بين الصغار من حيث هو قيمة إنسانية، وتجعل اكتساب المهارات يمر سلسا لأولئك بواسطة هؤلاء، كما تؤكده العديد من الدراسات. 
شبه ختام
وعلى العموم فإن التكوين المعرفي الناقص للمشتغلين في الحقل التعليمي الخصوصي كان من الضروري أن تنعكس على تطبيقاتهم المهنية، وتترك أثرها على مستقبل زبنائها. الغريب أننا سنجد أنفسنا أمام وضعية مناقضة، إذ نسبة النجاح من مستوى إلى آخر تبقى شاملة، وبالامتحانات الإشهادية تبقى مستحسنة، والإقبال على هذه المؤسسات متزايد. هذا يفسح المجال للتساؤل عن السبب: ما الذي يجعل النتائج جيدة رغم انحطاط التكوين البيداغوجي والتربوي لدى المشتغلين بهذا القطاع؟ هل هناك ما يبرر إقبال الآباء للغامرة بمستقبل أبنائهم بتسجيلهم بهذه المؤسسات؟ هل حقا تتميز المدارس الخصوصية بتوفير تعليم سمته الجودة؟ هذه الأسئلة لا تدخل في إطار الوضعية المطروحة في أول هذه المعالجة، فهي تشكل بالتأكيد موضوعا خاصا. لكن، وبالرغم من ذلك، أريد التأكيد أنني لم أكن أتناول بالدرس التعليم الخصوصي بشكل عام، وإنما كنت أخص بالحديث التعليم الخصوصي بالمغرب، وفي هذا يشكل هذا البلد استثناء إضافي.          
16/01/2018
                                                                        



المقال نشر يوم 2-11-2017، جريدة الاتحاد اىشتراكي

أعيد نشره بمدونة "كوة"

نورالدين البودلالي
بواسطة : نورالدين البودلالي
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-